أبناؤنا والضعف في النحو العربي ... العلاج (2/3)


د. محمد علي النجار
تناولنا في المقال السابق ، جانبًا من العلاج الذي ينحصـر داخل الفصل ، وهو علاج وقتي لا بد من مواكبة علاج جذري له ، تتحمل مسؤوليته أساسًا الجهات الرسمية المعنية ؛ لأنه يتمحور حول المنهج ، وهو الاتجاه الثاني في العلاج الذي أشرنا إليه في المقال السابق.
وسنفرد هذا المقال للمنهج ، على أن نخصص المقال المقبل - وهو الأخير - للمعلم ، الذي يتحمل العبء الأكبر ، والمسؤولية الأعظم في هذا المجال.
المنهج والكتاب :
يعد المنهج والكتاب المدرسي من الوسائل الفاعلة لعلاج الضعف في النحو عند أبنائنا الطلاب ، وهذه الوسائل تتشعب في أكثر من اتجاه ، وسنحاول اختصارها وحصرها في الأمور الآتية :
التركيز منذ السنوات الأولى للتلميذ في المدرسة ، على حفظ نصوص قصيرة على قدرٍ من جودة المعاني ، وجمال الأسلوب ، ولتكن آيات وسورًا منتقاة ، ومختارة بعناية من القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية الشريفة ، وقصائد أو بعض أبيات من عيون الشعر العربي ، تتناسب ومستويات الطلاب ، يقول محمد عطية الإبراشي في كتابه (لغة العرب وكيف ننهض بها) "فإذا أردنا النهوض باللغة العربية ، وإصلاح لغة التلاميذ ، وترقية مستواها ، وجب علينا أن نشجعهم على حفظ كثير من الآيات القرآنية ، وقراءة كثير من قصص الأنبياء المكتوبة بأسلوب عربي جميل … ليتذوقوا ما فيها من جمال وروعة وتأثير" وبهذا نضمن تمثل التلميذ للأساليب العربية الراقية ، وهذا ما يميل إليه د. علي عبد الواحد في كتابه (نشأة اللغة عند الإنسان والطفل) ففي "مرحلة التقليد اللغوي ، يبلغ ميل الطفل إلى محاكاة الكلمات ، وقدرته على سرعة تقليدها أقصى ما يمكن أن يبلغاه ، وأنه لذلك يستطيع أن يتعلم بسهولة أية لغة أجنبية" فماذا سيكون عليه الأمر ، واللغة لغة قومه وأهله؟.
ومن العجب أن نجد في المقابل ، من يريد تعليم الطفل العربي لغته دون تعقيد - حسب رأيه - فهو يريد للطفل أن يتعلم العامية المنقحة ، فيقول مثلاً: نحن لعبنا الكورة ، وما كان حد في المدرسة ، وما جبت الكتاب معايا. ويريد للطفل أن يكتب في حصة التعبير بالعامية المنقحة - حسب تعبيره - فيقول: "نحن رحنا البحر ، وركبنا المركب ، ونزلنا الماء ، وقعدنا نسوق ، ورجعنا تاني ، واتفرجنا على الحتت .. وبعد ما اتفرجنا ، رجعنا البيت ، وغيرنا هدومنا المبلولة ، واستريحنا ، ونزلنا الجنينة بعد كده". ويزعم الدكتور محمد كامل حسين في كتابه (اللغة العربية المعاصرة) أن هذا خير في تعويد الطفل على الصدق في التعبير ، من أن يحفظ عبارات بالفصحى العالية عن ظهر قلب!! ..
واستكمالاً للعلاج ، فإنه يجب حذف الموضوعات التي لا حاجة للناشئة بها من الكتاب ، والإبقاء على الموضوعات ذات الصبغة الوظيفية ، وعرض هذه الموضوعات عرضا شائقًا يجذب التلاميذ ، ويحببهم في المادة ، من خلال أساليب ووسائل مدروسة بعناية ، تراعي ميول التلاميذ ورغباتهم ؛ ليقبلوا على النحو إقبالهم على المواد الأخرى المحببة إليهم ، على أن يتم ترتيب الموضوعات النحوية ترتيبًا منطقيًا ، وعندما نقول: وظيفية ، فإننا نعني المادة التي يستخدمها التلميذ في تعاملاته اليومية ، ليشعر بأهمية النحو ، كموضوع النعت (الصفة) ، أو موضوع الحال على أن يُقدَّم بطريقة سهلة ، وأمثلة مبسطة من الواقع المعاش ، مع تمرينات تؤخذ من بيئتهم ، وتحاكي اهتماماتهم ، لتساهم في تسهيل المادة النحوية ، وتبسيطها في أذهان الناشئة ، وتحببها إليهم.
أما الكتاب المدرسي ، فيلعب دورًا مهمًا في هذا الجانب ، سواء من خلال الشكل ، أو المضمون ، ولعل الاهتمام بالكتاب المدرسي يبدأ بالشكل العام ، ابتداء من الغلاف الخارجي الذي يجب أن يُختار بعناية فائقة ، بخطوطه وألوانه وزخارفه ورسوماته ، بحيث يتناسب ونفسية الطالب ، فيغريه باقتنائه والمحافظة عليه ، وتصفحه والإكثار من النظر إليه ، وهذه الخطوة الأولى نحو تهيئة المناخ المناسب ، لإيجاد علاقة حميمة بين الطالب وكتاب النحو المدرسي ، على أن يشمل الاهتمام كذلك الصفحات الداخلية ، بحيث تكون الطباعة بحروف واضحة ، وألوان متعددة ، وخطوط عربية متنوعة ، وقد يشجع ذلك بعض التلاميذ لمحاكاة هذه الخطوط ، وهذه فائدة أخرى ، كما يستحسن تزويد الصفحات ، وخاصة ما اشتمل منها على فراغات بيضاء ، ببعض الزخارف والرسومات المناسبة ، للتخفيف من جفاف المادة النحوية .
إضافة إلى ما سبق ، فإن ضبط حروف وكلمات الكتاب المدرسي بصورة عامة ، وكتب اللغة العربية بصورة خاصة ، وكتب النحو بصورة أخص ، مطلب مهم للغاية "لأن الناشئ كما يقول د. محمود السيد في كتابه (في قضايا اللغة التربوية) إذا شب على ما يقرأ مضبوطًا بالشكل تعوَّد سلامة النطق" منذ صغره ، واكتسب الأساليب العربية الصحيحة بالسليقة ، دون تكلف أو تطبيق لقاعدة ، وهذا هو الأصل في تعلم اللغة.
وما دمنا نتحدث في المنهج ، فإن الاهتمام بطرق التدريس المناسبة ، وتوفير وسائل التعليم اللازمة للموضوعات النحوية المقررة ، يُعد أمرًا حيويًا ، على غرار الوسائل التي توفر للغات الأجنبية في مدارسنا ، وعقد الدورات التدريبية النافعة ، وتوفير الدراسات والنشرات التربوية ، التي تشتمل على آخر ما توصلت إليه البحوث والدراسات ، لملاحقة التطور المتسارع على الساحة التربوية.
وليس ببعيد من ذلك الاستفادة من النشاط المدرسي في نشر الوعي بين الطلبة ، للاعتزاز باللغة العربية الفصيحة ، وتشجيعهم على استخدام الأساليب اللغوية السليمة ، بمختلف وسائل التشجيع الكفيلة بحفزهم على أن يتحملوا بأنفسهم مسؤولية المحافظة على لغتهم ، والتعصب لها . ..
وأخيرًا وليس آخرًا ، فإن فصل النحو كمادة مستقلة لها درجاتها ، بحيث تصبح مادة رسوب ونجاح ، قد يساهم في اهتمام الطلاب بالمادة ، ولكن بشرط أن يكون قد تم إعداد المعلم الكفء ، وتوفير الكتاب الجيد ، وتهيئة الوسيلة المناسبة ، حتى لا يكون ذلك مدعاة لمزيد من النفور عند الطلبة من مادة النحو.
وللموضوع بقية