شمال غزة: جيش الاحتلال يتوحش بتهجير السكان وإبادة المكان
يطوي التوغل العسكرية الإسرائيلي المتواصل على
محافظة شمالي قطاع غزة والتي بدأت في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، شهره الثالث،
مخلفا مشاهد مفزعة من الخراب والدمار التي غيبت مقومات الحياة هناك.
وسوى الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه العملية التي
استهدفت بشكل مركز "مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، وبلدتي بيت لاهيا وبيت
حانون"، مناطق وأحياء سكنية واسعة بالأرض مدمرة بذلك البنى التحتية وكافة
مقومات الحياة للمواطنين.
وما زالت أكوام ركام المنازل تدفن تحتها أجساد
ساكنيها حيث عجزت طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن انتشالهم بعدما أُجبروا على
التوقف عن العمل بسبب الاستهداف الإسرائيلي لطواقمهم ومركباتهم.
جاء ذلك في وقت تعمد فيه الجيش أيضا استهداف المستشفيات والمراكز الطبية ومقرات تقديم الخدمات الإنسانية بالقصف وإطلاق النيران والتفجير، ما أدى لخروجها عن الخدمة بشكل كامل.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته المكثفة
في محافظة الشمال حيث دفع بتعزيزات عسكرية الأيام الماضية بهدف توسيع نطاقها
واستكمال خطة التهجير العرقي بتهجير من بقي من الفلسطينيين هناك.
ومنذ بدء العملية، أجبر الجيش عشرات الآلاف من
أهالي محافظة الشمال على النزوح تحت وطأة النيران والقتل حيث وصل عدد المتبقين
الرافضين لفكرة النزوح إلى 70 ألفا من أصل 450 ألف نسمة كانوا يقطنون فيها.
إبادة المدن
كثف الجيش الإسرائيلي في محافظة الشمال خلال
عمليته المتواصلة من سياسة "إبادة المدن"، عبر تنفيذ عمليات محو شامل
وتدمير كامل للمنازل والأحياء السكنية والبنى التحتية، وفق ما أورده تقرير للمرصد
الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وحسب التقرير، فإن الجيش استخدم في إبادة المدن
4 وسائل وهي: النسف من خلال روبوتات وبراميل مفخخة، والقصف الجوي بالقنابل
والصواريخ المدمرة، وزارعة المتفجرات والنسف عن بعد، والتجريف بالجرافات العسكرية
والمدنية الإسرائيلية.
وأفادت التقارير بغزة أن دوي الانفجارات الناجمة
عن نسف المباني والأحياء السكنية بالشمال كانت تسمع في مناطق أقصى جنوب القطاع.
وأظهرت مقاطع مصورة نشرها عسكريون في الجيش
الإسرائيلي وبعض المواطنين الذين لم يغادروا الشمال حجم الدمار الهائل الناجم عن
تلك العمليات.
الشاب محمد لبد صمد في "مشروع بيت
لاهيا" حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2024، قبل أن يُجبر على النزوح لمدينة غزة
عبر الحاجز الإسرائيلي، تحت وطأة شدة الضغط العسكري بالمنطقة.
يقول إنني "عشت في شمال قطاع غزة خلال
العملية العسكرية نحو 70 يوما لم تخلو أي ليلة فيها من عمليات نسف وتفجير".
ويضيف: "تلك العمليات غيرت ملامح المنطقة
وجعلتها غير قابلة للحياة أبدا".
وأفاد بأن الجيش استخدم "روبوتات (مفخخة)
في عمليات النسف حيث يزرعها نهارا ويفجرها ليلا، وفي العادة توضع بأماكن مكتظة
بمنازل المواطنين لتحدث أكبر قدر ممكن من الدمار".
جثث بالشوارع
على مدار أشهر العملية، ارتكب الجيش مجازر بحق
المدنيين في المحافظة باستهداف المنازل المأهولة وتجمعات المدنيين بالشوارع ما
تسبب بسقوط الآلاف بين شهداء وجرحى.
العشرات من جثامين الشهداء بقيت تحت ركام
المنازل المدمرة فيما بقي بعضها في الشوارع دون سماح الجيش بانتشالها فأقدمت
الكلاب والقطط الضالة على نهشها.
وحتى هذا اليوم، لم تتمكن وزارة الصحة بغزة من
إحصاء عدد الفلسطينيين الذين استُشهدوا وأصيبوا بالعملية العسكرية المتواصلة في
محافظة الشمال، بسبب تعطل المنظومة الطبية.
الشاب إيهاب غبن، ما زال محاصرا في بلدة
"بيت لاهيا" حيث يرفض النزوح القسري رغم كثافة الاستهدافات الإسرائيلية.
ويقول إن "ما يحدث في شمال غزة تقشعر له
الأبدان وجثث الشهداء تتعرض لبشاعة لا يمكن وصفها بالكلمات والكلاب تأكل لحوم
البشر على أعيننا ولا نستطيع إيقافها".
ويضيف: "في النهار يستشهد أحدهم وتبقى جثته
ملقاة في الشارع لعدم التمكن من انتشالها وفي صباح اليوم التالي نجد أن الكلاب
الضالة نهشت معظم الجثة".
ويزيد غبن قائلا: "أحيانا نتمكن من الوصول
لأماكن الاستهدافات بعد أيام، فنجد أن الكلاب الضالة لم تُبقِ غير العظام من
الجثث". ويشير إلى أن المشاهد اليومية من محافظة قطاع غزة "بشعة جدا ولا
يمكن لأي بشر تحملها".
تجويع وتعطيش
إلى جانب إبادة المدن والقتل المتعمد، استخدمت
إسرائيل سلاحي التجويع والتعطيش ضد أهالي محافظة الشمال التي فرضت عليها حصارا
مطبقا منذ اليوم الأول من العملية مانعة دخول أي إمدادات غذائية أو إغاثية أو مياه.
ملامح هذه الأزمة الإنسانية بدأت بالظهور بعد
أيام قليلة من الحصار فيما تسببت باستشهاد العشرات بنيران الطائرات المسيرة وآليات
الجيش خلال بحثهم عن الطعام والشراب في المناطق المحاصرة.
عائلة المصري الفلسطينية، فقدت نجلها
"أحمد" (34 عاما)، في بلدة "بيت لاهيا" نهاية شهر تشرين
الثاني/ نوفمبر الماضي، بعدما خرج للبحث عن المياه.
يقول روحي المصري إننا "كنا نخاف الموت
قصفا بكل تأكيد لكن ما كان نخافه أكثر هو الموت جوعا وعطشا وهو ما كان يدفعنا
للمخاطرة والبحث عن الطعام والشراب".
ويضيف "فقدنا شقيقي الوحيد بينما كان يبحث
عن مياه صالحة للشرب وترك خلفه زوجة و3 أبناء لا معيل لهم اليوم".
ويصف تفاصيل المعاناة التي عاشوها في محافظة
الشمال، قبل نزوحهم قسريا نحو مدينة غزة، قائلا إننا "جحيم وموت وقهر لا يمكن
الحديث عنه بشكل عابر أو بكلمات معدودة".
ممر إجباري للنزوح
منذ 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أقام الجيش
الإسرائيلي نقطة تفتيش شرق بلدة "جباليا" واعتمدها كطريق رئيسي لمرور
النازحين إلى مدينة غزة، واستغل الجيش تلك النقطة "للتنكيل بالمواطنين منهم
النساء والأطفال واعتقال المئات من الرجال الذين لا يزال مصيرهم مجهولا إلى
اليوم"، بحسب شهود عيان.
ويضطر المواطنون الذين يجبرون على النزوح من
محافظة الشمال إلى قطع مسافة تزيد عن 10 كيلومترات سيرا من أمام الآليات
الإسرائيلية ووسط البرد الشديد للوصول إلى مكان أكثر أمانا.
كانت الفلسطينية ريهام أبو جلال من بين الذين
مروا بنقطة التفتيش خلال نزوحها لغزة، حيث عاشت تجربة قاسية برفقة عائلتها المكونة
من 9 أفراد.
وتقول أبو جلال إنني "لا أعتقد أن تمر
تجربة أسوأ منها في حياتي كلها، فمشاهد الجنود وتنكيلهم بالنساء والأطفال وتعرية
الرجال بشكل كامل وأصوات تعذيبهم بأماكن قريبة من نقطة التفتيش، تدمي القلب".
وتتابع "لم يتبقِ شيئا في شمال القطاع كل
ما هناك تم تدميره وتحويله إلى ركام والجيش ارتكب فظائع كبيرة بحق المواطنين
الصامدين الذين رفضوا المغادرة".
ومنذ 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يجتاح الجيش
الإسرائيلي شمال قطاع غزة، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في
المنطقة".
بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل تعمل على
احتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقة عازلة وتهجيرهم تحت وطأة قصف دموي وحصار مشدد
يحرمهم من الغذاء والماء والدواء.