يا صَدّام .. العراق ضاع .. والأردن جاع


عوض ضيف الله الملاحمة
البارحة جافاني النوم وهجرني ، وعمّق تفكيري وخوفي على وطني
وأرعبني . وبدأت أحصي بالمتغيرات التي طرأت وجعلت وطني في ضنك . فوجدت ان غياب دعم
صدّام هو الذي جعلنا على المحك .
عندما أرى وطني في ضيق ، يقفز الى ذهني غياب الشهيد الحيّ
صدّام حسين ، فيصبح همّي همّين ، ووجعي وجعين ، ويزداد الكرب ، ويتضاعف الدّين ،
ويطسنا ( ويchبحنا )البين . أنا لست من
عبدة الأشخاص كما قد يظن البعض ، عندما يفهم الأمر بسطحية ، لكن في أوقات العُسر
والمِحن ، يُفتقد البدر في الليالي التي ظُلمتها حالكة السواد .
صدّام يأسرني . صدّام لا يفارق مُخيلتي . صدّام يستعصي على
النسيان . صدّام يقهرني إستشهاده . صدّام يأسرني غيابه . صدّام يقتلني الفراغ الذي
سيطر على العرب من بعده . صدّام أذهل العالم بشجاعته ، وجرأته ، وصلابته ،
وإقدامه أمام مقصلة الأنذال . صدّام صدمني ببسالته أمام حبل المِشنقة . صدّام حالة
بسالة ، وإقدام نادرة على مدى التاريخ الإنساني .
صدّام رفض تغطية وجهه ليلقن الجُبناء درساً في الرجولة .
صدّام تقدم للمِشنقة رافع الرأس ، مبتسماً .. نعم مُبتسماً ، مستبشراً ، صامداً .
صدّام صدح صوته بثبات . ونبرته كانت نبراساً . وكلماته كانت ثباتاً ، وإعلاناً ،
وتوجيهاً للأحرار من العرب . شهادة صدّام أذهبت تهمة الإلحاد عند أصحاب الفكر
القومي عموماً . صدّام أعلن ثوابت الأمة بآخر كلمات نطق بها .
صدّام لم يجزع أمام الموت . ولم يخنع للأعداء . صدّام لم
يُخِفه الإعدام . صدّام صدم العالم برجولته . صدّام هل قرأتم من يماثله في
إستشهاده ؟
صدّام عندما يخطر على بالي يتحجر قلبي في صدري . صدّام من
بعده العراق ضاع ، والأردن جاع .
بعد صدّام العراق لم يعُد عظيماً . وقيم العراقيين إنحدرت ،
وأخلاقهم تغيرت ، وطباعهم تشوهت . والعِفة غابت ، والكرامة فُقِدت ، والأنفة ضاعت
، والكبرياء إختفت ، والعِزة هاجرت .
صدّام هل أنجبت مثله النساء ؟ صدّام حالة خاصة يسكُن العلياء
، ومن شيمه الإقدام والإباء .
التقيت دولة الدكتور / إياد علاوي ، رئيس وزراء العراق الأسبق
في لقاءٍ عام ، قبل
أسابيع ، وسألته سؤالين : —
الأول : — هل ترى ان الشعب العراقي نادمٌ على فقد صدّام
، وهل أنت من النادمين ؟ والثاني : — هل يمكن ان يعود العراق عظيماً ويعود لحضنه
العربي ، وإذا عاد هل يعود معافى ام مقسماً ؟ وأجابني بجرأة وصدقٍ ووضوح ودون تردد
او تفكير ، حيث قال : — نعم العراقيون نادمون كثيراً على فقد الشهيد صدّام ، وأنا
شخصياً أولهم ، وأكثرهم ندماً . وأردف قائلاً : نعم سيعود العراق عظيماً الى حضنه
العربي موحداً بجهود العراقيين الشرفاء .
يا صدّام معارضوك أصبحوا يحبونك ، ونادمون على إستشهادك
، والشعب العراقي إفتقدك ، وكلهم يرجون عودتك . لكن هيهات ، لقد ندموا بعد فوات
الأوان ، وندموا في وقت حيث لا ينفع فيه الندم .
ما أكثر الرؤساء في العالم . وما أقل القادة ، وما أندر
الرموز الذين يحفرون أسماءهم بأحرفٍ مضيئة ، مُشعة ، لا تغيب عن البال وعن الخاطر
، وكلما إدلهمت الخطوب توسلنا رب العباد ان يعيدهم أحياء لتصحيح المسار .
ليتك تعلم أيها الشهيد الحيّ كم إفتقدك العراق ، وإفتقدك
الأردن الذي إنتخيت له في قمة الوفاق والإتفاق التي عُقدت في عمّان عام ١٩٨٧ ،
وقلت قولتك المشهورة تأكيداً على دعمك للأردن حيث قلت :( نتقاسم اللي في الجِدر )
. ووفيت بما وعدت . حيث كان يُقدِّم العراق نصف إستهلاك الأردن من النفط
مجاناً ، والنصف الثاني بسعر رمزي خاص قدره ( ٢٢ ) دولاراً للبرميل ، وعليه
تصبح تكلفة برميل النفط العراقي على الأردن ( ١١ ) دولاراً .
أُنهك الأردن بعدك يا أبا عدّاي . فالمديونية وصلت ( ٦٢ )
مليار دولار ، والبطالة حوالي ( ٢٢٪ ) ، ونسبة الفقر المدقع مُرعبة ، ونسبة
الفقر العادي مُخيفة ، والطبقة الوسطى تلاشت . والغلاء بلغ أضعافاً مضاعفة حتى أتى
على أصحاب الدخول المتواضعة وعضهم الجوع بأنيابه . بالمختصر أصبح حالُنا بالويل ،
وطسنا البين بعد صدام حسين .
صدّام ، لا أدري كيف تبتسم للموت هل إستهزاءاً ، ام إقداماً ،
ام انتفاءاً للخشية منه ؟ أعتقد انك إبتسمت إستخفافاً بالأعداء ، وإقداماً لجسارتك
وشجاعتك غير المعهودة بين البشر ، وإنتفاءاً للخشية لأنك تعرف انك ذاهب لملاقاة
ربنا الحكم العدل .
وأختم ببيتٍ واحدٍ من قصيدة لشاعر نبطي خليجي ، لم أتمكن من
معرفة إسمه . يقول الشاعر مخاطباً أحدهم : إنت زعلت لأني مدحت صدام ؟ وأقتبس منها
بيتاً واحداً وهو خاتمة القصيدة ، حيث يقول الشاعر :—