الموت القلبي المفاجئ… خطر صامت مقدر يختصر أعمار مرضى السكري
د جمال الدباس
كشفت دراسة أوروبية
حديثة أن مرضى السكري يواجهون خطرًا مرتفعًا بشكل لافت للإصابة بالموت القلبي
المفاجئ، وهو عامل رئيسي يفسّر قِصر متوسط العمر المتوقع لديهم مقارنة بعامة
السكان، مع بروز هذا الخطر بشكل أوضح لدى الفئات العمرية الأصغر.
الدراسة، التي نُشرت في
المجلة الأوروبية لأمراض القلب في ديسمبر 2025، حلّلت جميع الوفيات المسجلة في
الدنمارك خلال عام واحد، وربطت شهادات الوفاة والسجلات الطبية والتقارير التشريحية
لتحديد حالات الموت القلبي المفاجئ بدقة. ومن بين أكثر من 54 ألف حالة وفاة، تم توثيق
نحو 6800 وفاة قلبية مفاجئة، أظهرت البيانات أن نسبة كبيرة منها وقعت لدى أشخاص
مصابين بالسكري.
وأظهرت النتائج أن خطر
الموت القلبي المفاجئ كان أعلى بنحو أربع مرات لدى المصابين بالسكري من النوع
الأول، وأكثر من ست مرات لدى المصابين بالنوع الثاني، مقارنة بالسكان عمومًا. كما
بلغ معدل حدوث هذه الوفيات 394 حالة لكل 100 ألف شخص سنويًا في السكري من النوع
الأول، و681 حالة في النوع الثاني، مقابل 105 حالات فقط في عامة السكان.
وكان الخطر أشد وضوحًا
لدى من هم دون سن الخمسين، حيث ارتفع احتمال الموت القلبي المفاجئ إلى سبعة أضعاف.
ويعزو الباحثون ذلك إلى أن الخطر الأساسي لدى الشباب منخفض أصلًا، ما يجعل أثر
السكري أكثر بروزًا، بينما تتداخل عوامل أخرى مع التقدم في العمر فتخف حدّة الفارق
النسبي.
ولا يقتصر الأمر على
الخطر الآني، بل يمتد إلى العمر المتوقع. فقد بيّنت الدراسة أن شخصًا في الثلاثين
من عمره مصابًا بالسكري من النوع الأول يفقد في المتوسط أكثر من 14 عامًا من عمره
المتوقع، بينما يفقد المصاب بالنوع الثاني نحو 8 أعوام. وكان الموت القلبي المفاجئ
مسؤولًا وحده عن فقدان ما يقارب 3 إلى 4 سنوات من هذه الأعوام المهدورة.
ويرى الباحثون أن
العلاقة بين السكري والموت القلبي المفاجئ معقّدة ومتعددة المسارات، وغالبًا ما
تمر عبر أمراض القلب الإقفارية واضطرابات النظم القلبي. كما أشاروا إلى أن ضبط سكر
الدم، رغم أهميته، قد يحمل مفارقة سريرية؛ إذ إن بعض العلاجات، خاصة الإنسولين
وأدوية معينة، قد تزيد من خطر هبوط السكر الحاد، وما يرافقه من اضطرابات كهربائية
في القلب قد تهيئ لحدوث نُظم قاتلة.
وتزداد الصورة قتامة
عند تداخل السكري مع عوامل خطورة أخرى، وعلى رأسها التدخين. فقد أكدت دراسات
عالمية كبرى، أبرزها دراسةINTERHEART التي شملت أكثر من 52
دولة، أن اجتماع التدخين مع السكري يُعد من أقوى العوامل المسببة لاحتشاء عضلة
القلب عالميًا. وأظهرت هذه الدراسة أن الخطر المشترك الناتج عن هذا التداخل يفوق
بكثير خطر كل عامل على حدة، في دليل واضح على التأثير التآزري بينهما، لا مجرد جمع
حسابي للمخاطر.
وتحذّر الدراسة من أن
الوقاية الحالية من الموت القلبي المفاجئ، والتي تعتمد أساسًا على تحديد المرضى
الأعلى خطورة لتركيب أجهزة إزالة الرجفان القابلة للزرع، قد لا تكون كافية لمرضى
السكري دون تطوير أدوات أدق لتحديد من سيستفيد فعليًا من هذه التدخلات.
وفي تعليق علمي مرافق،
دعا خبراء إلى إعادة التفكير في تقييم خطر الموت القلبي المفاجئ لدى مرضى السكري،
خاصة الشباب، والانتقال نحو استراتيجيات وقائية وعلاجية شخصية، تستند إلى فهم أعمق
للتداخل بين العوامل الوراثية، واضطرابات القنوات الأيونية القلبية، وتأثير أدوية
السكري الحديثة.
وتكتسب هذه النتائج
أهمية خاصة في ظل التوقعات بارتفاع عدد المصابين بالسكري من النوع الثاني عالميًا
إلى نحو 780 مليون شخص بحلول عام 2045، ما يجعل مواجهة خطر الموت القلبي المفاجئ
لدى هذه الفئة تحديًا صحيًا عالميًا لا يمكن تجاهله.



















