في نقد التحول من الاشتراكية الى الرأسمالية
ونحن نحطّم جدار برلين
، كنّا نظنّ أنّنا نقتحم باب الحرية ، فإذا بنا نقتحم باب السوق الذي أصبحنا سلعاً
فيه
الفيلسوف أندريه فليتشك
*
" كيف قمنا ببيع الاتّحاد السوفييتي
وتشيكوسلوفاكيا, مقابل أكياس التسوّق البلاستيكيّة " !!!
** لقد ولدت في لينينغراد ، أمّي نصف روسية
ونصف صينية (فنانة ومهندسة معمارية) ؛ كان والدي عالماً نوويّاً ؛كانت
طفولتي مشتركة بين لينينغراد وبيلسن ، بيلسن مدينة صناعية تقع في الطرف الغربي مما
كان يدعى تشيكوسلوفاكيا ، ..
كانت المدينتان
مختلفتين .. كلّ منهما تمثّل شيئاً أساسيّاً في التخطيط الشيوعي ، وهو نظام قام
دعاة الغرب بتعليمنا أن نكرهه ..
لينينغراد هي واحدة من
أكثر المدن إثارةً للدهشة في العالم ، حيث تضمّ أكبر المتاحف ومسارح الأوبرا
والباليه والساحات العامّة..
بيلسن مدينة صغيرة
الحجم ، ويبلغ عدد سكانها 180.000 نسمة فقط ؛ ولكن عندما كنت طفلًا ، كانت تضمّ
العديد من المكتبات الممتازة ودور السينما ودار الأوبرا والمسارح الطليعية
والمعارض الفنية وحديقة حيوانات مخصّصة للبحث والأشياء التي لا يمكن أن نجدها (كما
أدركت لاحقًا بعد فوات الأوان ) حتى في المدن الأميركية التي يبلغ عدد سكانها
مليون نسمة..
* كان لدى المدينتين (الكبيرة والأخرى الصغيرة) ،
وسائل نقلٍ عامٍّ ممتازة ، وحدائق واسعة وغابات في أطرافها ، كان في بيلسن عدد لا
يحصى من مرافق رياضة التنس ، وملاعب كرة القدم ، وحتى ملاعب الريشة الطائرة ،
وجميعها مجانية ..
كانت الحياة جميلةً ،
وكان لها معنًى ؛ كانت غنيةً ؛ ليس بالمال ، ولكنها غنية على الصعيد الثقافي
والفكري والصحّي .. كانت المعارف المجانية بمتناول الجميع و بسهولة، والثقافة في
كلّ زاوية من الشوارع ، والرياضة للجميع . كان الإيقاع بطيئاً ؛ كان هناك الكثير
من الوقت للتفكير والتعلّم والتحليل .. ( لكنها كانت أيضًا ذروة الحرب الباردة )
كنّا شبانًا متمردين يسهل التلاعب بهم . لم نكن
راضين أبدًا عمّا أُعطي لنا . لقد أخذنا كلّ شيء كأمر مسلّمٍ به . كنّا نلتصق
بأجهزة استقبال الراديو ، في الليل ، لنستمع إلى إذاعة بي بي سي، صوت أمريكا ،
راديو أوروبا الحرّة وخدمات البثّ الأخرى التي تهدف إلى تشويه سمعة الاشتراكية ..
وأتذكر حينها كيف قامت
المجمّعات الصناعية الاشتراكية التشيكية ببناء مصانع كاملة ، من مصانع الحديد إلى
مصانع السكّر ، في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا من منطلق التضامن . لكننا لم نكن
نرى أيّ مدعاةٍ للفخر في ذلك ، لأن أجهزة الدعاية الغربية كانت تسخر ببساطة من مثل
تلك المشاريع..
كانوا يعرفون، وما
زالوا يعرفون اليوم ، كيفية التلاعب بأدمغة الشباب ..
في لحظةٍ ما ، تحوّلنا
إلى شبابٍ متشائم ، ننتقد كل شيء في بلادنا ، من دون مقارنة ، حتى من دون القليل
من الموضوعية ..
في ذلك الوقت ، أضحت
أكياس التسوّق البلاستيكية الغربية رمزًا للمكانة الاجتماعية !!!!!!!!!! تعرفونها
؛ هذه الأكياس التي نجدها في بعض المتاجر أو المخازن الكبرى الرخيصة ..
عندما أفكر في الأمر ،
بعد بضعة عقودٍ ، لا أكاد أصدّق ذلك : شباب وشابّات متعلّمين ، يسيرون بفخرٍ في
الشوارع ، ويعرضون أكياس التسوّق البلاستيكية الرخيصة التي دفعوا مقابلها أموالًا
كبيرة . لأنها آتية من الغرب !! لأنها ترمز إلى النزعة الاستهلاكية ! لأنه قيل لنا
أن النزعة الاستهلاكية أمر جيد !
قيل لنا إنه يجب أن نرغب في الحرية. الحرية على
الطريقة الغربية. قيل لنا إنه يجب علينا "النضال من أجل الحرية".
من نواحٍ كثيرة ، كنّا
أكثر حريةً من الغرب . أدركت هذا عندما وصلت إلى نيويورك ورأيت مدى ضعف تعليم
الأطفال الذين في عمري ، ومدى سطحية معرفتهم بالعالم .. كما كان هناك القليل من
الثقافة في مدن أميركا الشمالية متوسطة الحجم ، ونسبة كبيرة من الأمية ..
كنا نريد، كنا نطالب
بالجينز من العلامات التجارية المعروفة ، كنا نرغب بوجود الأسطوانات الموسيقية
الغربية الإنتاج ؛ لم يكن الأمر يتعلّق بالجوهر ولا بالرسالة . كان العمى ؛ لقد
أعمتنا الدعاية الغربية ..
·
الفيلسوف والروائي
التشيكي / الأميركي )



















