عاملة البشير .. قصة مضيئة وواقع مظلم(فيديو)


بكر الأمير
تستحق السيدة هبة محمد خليل، العاملة في إحدى شركات الخدمات المساندة بمستشفيات البشير، هذا التكريم الرسمي من إدارة المستشفيات، ووزارة الصحة، تزامن ذلك التكريم، مع احتفاء شعبي عبر منصات التواصل الاجتماعي، واهتمام إعلامي من قبل وسائل الإعلام المختلفة. فالقصة تعبّر عن صورة مشرقة للأمانة والنزاهة، وتمثل نموذجا يُجسّد القيم الأصيلة للمجتمع الأردني، إذ أن الخلق الكريم الذي تحلّت به هذه السيدة الفاضلة؛ كان أكبر بكثير من المبلغ الذي عثرت عليه (نحو 27 ألف دولار) وقامت بتسليمه إلى مفرزة الأمن في نقطة طوارئ المستشفى.
ولكن .. خلف هذا المشهد المضيء، يختبئ واقع مظلم لحقوق آلاف العمال والعاملات في قطاع الخدمات الصحية، ممن يعملون في شركات التنظيف، ونقل المرضى، وتقديم الطعام والشراب وغيرها من الأعمال المساندة للقطاع الصحي، ويتعرضون لانتهاكات متكررة وظروف عمل قاسية، وهذا ما يؤكد عليه حديث السيدة في لقاء متداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت فيه أنها تعرضت لحسم يومين من راتبها البالغ 290 دينارا ( الحد الأدنى للأجور) بواقع 20 دينارا عن كل يوم تغيبت فيه بسبب مرض ابنها، ما يثير تساؤلات حول حقها في الإجازات السنوية، وقانونية العقوبات المالية المفروضة عليها، ومدى التزام الشركات المتعاقدة مع وزارة الصحة، بالضوابط القانونية في هذا الإطار، ولا أعلم، لماذا 20 دينارا عن اليوم الواحد، هل تتقاضى هذا المبلغ عن يوم العمل الواحد؟!
هذه القصة لا تمثل حالة فردية بل هي انعكاس لمشكلة هيكلية أعمق، وأشير هنا، إلى قضية العاملين في مستشفيات السلط وإربد والبالغ عددهم نحو 450 عاملا، قبل نحو عام، والذين يواجهون ظروفا مشابهة، من تدني الأجور وتأخير صرفها، وصعوبة بيئة العمل وشروطه.
ومما يزيد الأزمة تعقيدا، أن حقوق هذه الشريحة العمالية الواسعة تضيع، في دوامة المسؤوليات المتشابكة بين وزارة الصحة التي تستفيد من خدماتهم دون أن تكون مسؤولة مباشرة عن عقودهم، ووزارة المالية ودائرة المشتريات الحكومية التي تدير العقود مع الشركات، والشركات المتعاقدة التي تسعى لتحقيق الربح على حساب حقوق العمال، ووزارة العمل التي تعنى بالحفاظ على حقوق العاملين وحمايتها.
الاحتفاء بهبة وتكريمها خطوة نبيلة لكنها لا تكفي، فالحقيقة أن آلاف العاملين في هذا القطاع يعملون في بيئة عمل غير آمنة، وبأجور بالكاد تكفي للعيش، ويخضعون لعقوبات مالية وإدارية تهدد كرامتهم.
هذه الحادثة يجب أن تكون جرس إنذار لصنّاع القرار، فالأمانة التي جسدتها هبة بجميل ما صنعت؛ تقابلها أزمة مؤسسية، وإهمال حكومي، يدفع ثمنه العاملون.
نداء إلى وزارة الصحة، بأن تعيد النظر في نظام التعاقد مع شركات الخدمات، وأن تضع آليات رقابة صارمة، فيما يجب على وزارة العمل تحمل مسؤوليتها في مراقبة الشركات، وعلى وزارة المالية ودائرة المشتريات النظر إلى هذه الخدمات باعتبارها "كرامة إنسان وحقوق عمال" لا مجرد بند مالي يخضع لشروط العطاءات وتقليل النفقات.
هبة قدمت لنا درسا في النزاهة والأمانة، ولكن التكريم الحقيقي الذي تستحقه هذه السيدة الفاضلة، - هي ومن يعملون في قطاعها- شروطَ عمل أفضل، وحقوقا مصانة، وبيئة عمل لائقة وآمنة، وأجورا خالية من الحسم والعقوبات. وتحتاج أيضا من معالي وزير الصحة، الذي بادر بتكريم هبه، باعتبارها تعمل في احدى منشآت وزارة الصحة، إرادة سياسية لإنصاق هذه الشريحة العمالية، وتفكير جدّي من أجل التوصل إلى حلول تضع حدا للانتهاكات العمالية في هذا القطاع..
رابط الفيديو