ورقة سياسات: تطوير نظام نقل عام عملي في الأردن


إعداد: م. نبيل إبراهيم
حداد
مستشار إنشائي
يعاني نظام النقل العام
في الأردن من التشتت، وضعف التغطية في المناطق الريفية، والاعتماد الكبير على
السيارات الخاصة، مما يؤدي إلى الازدحام، والضغط البيئي، والتهميش الاجتماعي.
تقترح هذه الورقة إطارًا عمليًا ووطنيًا لتقديم خدمات نقل عام موثوقة، نظيفة،
وشاملة.
الركيزة الأساسية
للإطار المقترح هي "قاعدة الخمس أسر": أي مجتمع يضم خمس أسر أو أكثر يجب
أن تتوفر له خدمة نقل منتظمة إلى أقرب مركز خدمي. من خلال هذا النهج، يحصل كل فرد
في الأردن على وصول مضمون للعمل، والتعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الأساسية،
مع تقليل الازدحام والانبعاثات.
من المهم أن تكون
الإعانات الحكومية جزءًا لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية. فدعم النقل الريفي لا يضمن
فقط حرية التنقل، بل يساعد أيضًا الناس على البقاء في مناطقهم الأصلية حيث يمكنهم
الحفاظ على مزارعهم، والمساهمة في الأمن الغذائي المحلي، ودعم الاقتصادات الريفية.
وهذا بدوره يقلل من الهجرة من الريف إلى المدن، ويخفف الضغط على المراكز الحضرية
الكبرى، ويعزز مرونة الاقتصاد الوطني.
السياق وبيان المشكلة
تواجه المراكز الحضرية
في الأردن—وخاصة عمان—ازدحامًا مزمنًا، بينما تظل العديد من المناطق الريفية
محرومة أو معزولة تمامًا. غالبًا ما تكون خدمات النقل العام غير موثوقة، سيئة
الصيانة، وتفتقر إلى التكامل. وتشمل النتائج:
التهميش الاجتماعي
للأسر الريفية التي لا تتمكن من الوصول إلى المدارس، الوظائف، والرعاية الصحية.
انخفاض الكفاءة
الاقتصادية بسبب الاعتماد المفرط على المركبات الخاصة والشبكات المبعثرة.
الأثر البيئي الناتج عن
زيادة الانبعاثات واستهلاك الطاقة.
استياء عام من جودة
الخدمة، نظافة المركبات، ومستوى السلامة.
تسارع وتيرة الهجرة من
الريف إلى المدن، مما يضعف الإنتاجية الزراعية ويزيد الضغط على السكن، البنية
التحتية، والخدمات الحضرية.
هناك حاجة ملحّة إلى
استراتيجية وطنية متماسكة تضمن حق التنقل للجميع، وفي الوقت نفسه تعزز الاقتصادات
الريفية وتوازن توزيع السكان.
الأهداف
يسعى هذا الإطار إلى:
ضمان وصول شامل إلى
النقل العام.
إنشاء خدمات موثوقة مع
جداول زمنية منشورة.
توفير مركبات نظيفة،
آمنة، ومريحة.
إدخال أنظمة تعرفة
وتذاكر موحدة.
تشجيع استخدام النقل
العام لتقليل الازدحام والانبعاثات.
دعم سبل العيش الريفية
من خلال ضمان الربط المدعوم حكوميًا لتقليل الضغط الاقتصادي على الهجرة.
مبادئ الأجرة والتذاكر
نظام ذكي موحد
(بطاقة/تطبيق) يشمل جميع الخدمات.
أسعار ميسرة تعتمد على
المسافة أو المناطق، مع خصومات للطلاب، وكبار السن، وذوي الدخل المحدود.
إعانات حكومية مباشرة
للمجتمعات الريفية والزراعية، إدراكًا أن بقاء الناس في مناطقهم الأصلية يعزز
إنتاج الغذاء، ويحافظ على الاقتصادات المحلية، ويقلل من الاكتظاظ الحضري.
الحوكمة والتمويل
إنشاء الهيئة الوطنية
للنقل العام لتتولى التخطيط، التعاقد، التنظيم، والمتابعة.
دعم البلديات من خلال
تحديد مواقع المحطات والتنسيق المحلي.
تشمل مصادر التمويل:
الإعانات الحكومية (مع
تخصيص خاص للمجتمعات الريفية والزراعية).
إيرادات الأجور.
مساهمات البلديات.
الشراكات بين القطاعين
العام والخاص(PPPs).
رسوم مخصصة على الوقود
والمركبات.
التوصيات
إقرار "قاعدة
الخمس أسر" كمعيار قانوني للخدمة.
ضمان استمرار الإعانات
الحكومية لحماية خدمات الريف، وتشجيع السكان على البقاء في مناطقهم، ودعم
المجتمعات الزراعية.
البدء بمشاريع تجريبية
ثم التوسع بناءً على النتائج.
إلزام مقدمي الخدمة
بجودة الخدمة، النظافة، والسلامة كعقود ملزمة.
تأمين التزامات تمويلية
متعددة السنوات لضمان الاستقرار.
دمج ملاحظات الجمهور في
عملية تحسين الخدمات بشكل مستمر.
الخاتمة والدعوة إلى
العمل
يمتلك الأردن فرصة
لتحويل النقل العام إلى نظام موثوق، عادل، ومستدام يدعم التماسك الاجتماعي والنمو
الاقتصادي. إن دعم النقل الريفي ليس مجرد تكلفة—بل هو استثمار في الأمن الغذائي،
وتوزيع سكاني متوازن، واستقرار اقتصادي طويل الأمد.
يقدّم الإطار الموضح
هنا خارطة طريق عملية: بسيطة بما يكفي للتنفيذ، وشاملة بما يكفي لتحقيق أثر ملموس.
حان الوقت لصنّاع القرار، البلديات، والمجتمعات للتعاون من أجل ترسيخ حق التنقل،
والبدء في رحلة بناء نظام نقل حديث يخدم جميع الأردنيين—في المدن والأرياف على حد
سواء.