ورقة سياسات: أمة صحية، اقتصاد قوي: بناء نظام رعاية صحية مستدام للأردن


إعداد: المهندس نبيل
إبراهيم حداد
مستشار الهندسة
والصناعة وإدارة المشاريع
ملخص تنفيذي
في المخطط الأساسي
للازدهار الوطني، لا يمكن الفصل بين صحة الأمة وحيويتها الاقتصادية. فالشعب الصحي
هو أساس القوى العاملة المنتجة، ومناخ الاستثمار الجاذب، والمجتمع المرن. بالنسبة
للأردن، المعترف منذ فترة طويلة بالخبرة الطبية فيه، فإن الطريق إلى اقتصاد أقوى
يمر مباشرة عبر نظام رعاية صحية أكثر متانة وإنصافًا وتطلعًا للمستقبل.
تحدد ورقة السياسات هذه
إطارًا استراتيجيًا مبنيًا على أربعة ركائز أساسية:
1. توسيع النفاذ: جعل الرعاية الصحية حقًا، وليس
امتيازًا.
2. الاستفادة من السياحة العلاجية: كعامل اقتصادي
استراتيجي.
3. تبني تكنولوجيا الصحة: كالممكن العظيم للرعاية
الصحية الحديثة.
4. إعطاء الأولوية للرعاية الوقائية: كأذكى استثمار
طويل الأجل.
بالإضافة إلى ذلك،
تتوسع هذه الورقة في بعدين متقاطعين حاسمين للنجاح: الاستثمار الاستراتيجي
والمساءلة الطبية القوية، مما يضمن أن كل دينار ينفق يحقق نتائج قابلة للقياس
ويحافظ على ثقة الجمهور. يحول هذا النهج المتكامل الرعاية الصحية من إنفاق اجتماعي
إلى حجر زاوية في الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية.
الركيزة الأولى: الوصول
الى الخدمات الصحية؛ حق وليس امتيازًا
أساس الأمة الصحية هو
الوصول الشامل إلى الرعاية الجيدة. يجب أن يتجاوز هذا الأمر الخطاب البلاغي ليصبح
واقعًا معاشًا لكل أردني، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الدخل. لا ينبغي أن
يواجه المواطنون في القرى النائية أو المجتمعات البدوية عوائق أمام الخدمات الطبية
الأساسية. على الرغم من أن حوالي ٨٪ فقط من الأردنيين يعيشون في المناطق الريفية،
إلا أنهم غالبًا ما يعانون من محدودية الوصول إلى الرعاية المتخصصة مقارنة بسكان
المناطق الحضرية، مما يؤدي إلى نتائج صحية أسوأ.
لسد هذه الفجوة بشكل
استراتيجي، يجب على الحكومة:
• تحديث البنية التحتية الريفية: تجهيز المراكز
الطبية الإقليمية والريفية بالتشخيصات الأساسية والاتصال الرقمي وأنظمة المختبرات
المطورة.
• إنشاء برنامج وطني للطوارئ والنقل: إنشاء
بروتوكول ممول من الحكومة لضمان نقل المرضى في الحالة الحرجة بسرعة وأمان إلى أقرب
مستشفى مجهز، بغض النظر عن الاختصاص.
• تنفيذ برنامج تنقل للمرضى: توفير وسائل نقل أو
تعويض للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية متابعة متخصصة في المراكز الحضرية، لإزالة
حاجز مالي حاسم.
• تحفيز الخدمة الطبية الريفية: تطوير برنامج
لإسقاط القروض والتقدم الوظيفي للأطباء والممرضين والفنيين الذين يلتزمون بالخدمة
في المناطق المحرومة لفترة محددة.
بعيدًا عن كونه مجرد
نفقة، فإن هذا استثمار مباشر في الإنتاجية الوطنية والإنصاف الاجتماعي. يضمن ضمان
الوصول المتكافئ إلى الرعاية الصحية تماسك الوطن، ويبني الثقة في الحكومة، ويدعم
النمو الاقتصادي الشامل من خلال الحفاظ على قوى عاملة أكثر صحة على مستوى الوطن.
الركيزة الثانية:
السياحة العلاجية؛ محرك اقتصادي استراتيجي
يتمتع الأردن بميزة
تنافسية قوية في مجال السياحة العلاجية، مع وجود مستشفيات وأطباء من الطراز
العالمي يتركزون في عمان. الخطوة التالية هي التوسع الاستراتيجي في هذا القطاع
وتنويعه لتثبيت مكانة الأردن كمركز طبي إقليمي.
تشمل المبادرات
الرئيسية:
• التنويع الجغرافي والخدمي: تعزيز المستشفيات
الإقليمية لجذب المرضى خارج العاصمة، وتطوير مراكز تخصصية للتميز في إعادة
التأهيل، والفحوصات الوقائية، ومنتجعات الاستجمام في مناطق مثل البحر الميت
والعقبة.
• الترويج السياحي المتكامل: دمج السياحة العلاجية
بسلاسة في الاستراتيجية السياحية الأوسع نطاقًا للأردن، وإنشاء باقات تربط الرعاية
الصحية العالمية بالخبرات الثقافية والدينية والسياحة البيئية.
• تعزيز النظام المحلي: للتخفيف من خطر
"النظام ثنائي المستوى"، فرض آلية واضحة لإعادة الاستثمار حيث يتم تخصيص
جزء من عائدات السياحة العلاجية مباشرة للرعاية الصحية العامة، لتمويل التقنيات
الجديدة، وتوسيع النفاذ، ودعم الرعاية المحلية.
مسار النمو واعد:
استقبل الأردن حوالي ٢٢٤,٧٤٠ سائحًا علاجيًا في عام ٢٠٢٤، بزيادة من ٢٠٢,٦٠٠ في
عام ٢٠٢٣. وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام ٢٠٢٥ وحده، وصل ٩٢,٧٧٦ زائرًا طبيًا،
مما يمثل زيادة بنسبة ١٦.٥٪ عن نفس الفترة في عام ٢٠٢٤. مع تقدير تكاليف العلاج
بأنها أقل بنسبة ٢٥-٤٠٪ من الولايات المتحدة أو أوروبا، فإن قيمة العرض الأردني
واضحة. النظام الصحي المحلي القوي ليس منفصلاً عن هذه الاستراتيجية؛ إنه أساسها،
مما يضمن أن تصبح السياحة العلاجية رمزًا للتميز ومصدرًا للنمو المستدام والعادل.
الركيزة الثالثة:
تكنولوجيا الصحة؛ الممكن العظيم
تسمح التكنولوجيا
للأردن بالقفز فوق الحواجز التقليدية، وتوسيع النفاذ والكفاءة والشفافية عبر قطاع
الصحة. يعد الاعتماد الاستراتيجي على التكنولوجيا أمرًا غير قابل للتفاوض لنظام
رعاية صحية حديث.
الاستراتيجيات الرئيسية
تشمل:
• منصة وطنية للطب عن بعد: نشر منصة آمنة مدعومة
من الحكومة للطب عن بعد لربط المرضى في المناطق النائية بأخصائيين في المراكز
الحضرية، معالجة كل من تحديات الوصول وتوزيع القوى العاملة.
• السجلات الصحية الإلكترونية الموحدة: فرض وتنفيذ
معيار وطني وقابل للتشغيل المتبادل للسجلات الصحية الإلكترونية لخلق رحلة سلسة
للمريض عبر جميع المستشفيات والعيادات، مما يقلل من الأخطاء والازدواجية.
• الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات: تجريب أدوات
التشخيص المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في المستشفيات العامة لتحسين
الدقة والسرعة في العلاج والتنبؤ بالصحة العامة.
• تنمية ابتكار تكنولوجيا الصحة: الاستثمار في
شركات ناشعة في تكنولوجيا الصحة ووضع الأردن كمركز إقليمي للابتكار الصحي الرقمي
من خلال المنح المستهدفة ومساحات التنظيم التجريبية.
يدير الأردن حاليًا
حوالي ١٢٠ مستشفى تحتوي على ١٦,٠٠٠ سرير (≈١.٤٥ لكل ١٠٠٠ نسمة)، وهي نسبة أقل من
متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. يمكن للتكامل الاستراتيجي
للتكنولوجيا أن يخفف الازدحام، ويحسن استخدام الأسرة، ويعزز النتائج. بنفس القدر
من الأهمية هي بروتوكولات الأمن السيبراني وحماية البيانات الوطنية القوية، وهي
ضرورية للحفاظ على ثقة الجمهور وسلامة النظام.
الركيزة الرابعة:
الرعاية الوقائية؛ أذكى استثمار
إن نظام الرعاية الصحية
الذي يركز فقط على علاج المرض هو بطبيعته تفاعلي وغير مستدام ماليًا. المسار
الأكثر ذكاء وفعالية من حيث التكلفة هو منع الأمراض قبل أن تبدأ، وتعزيز ثقافة
العافية.
يجب أن تشمل المبادرات
التي تقودها الحكومة:
• حملات الصحة العامة على مستوى الوطن: إطلاق
حملات مبنية على الأدلة حول التغذية، والنشاط البدني، والصحة النفسية بالشراكة مع
المدارس وأصحاب العمل وقادة المجتمع.
• فحوصات مدعومة وسهلة الوصول: توفير فحوصات
مجانية أو مدعومة بالكامل للأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان
في مراكز الرعاية الصحية الأولية.
• فحوصات صحية محفزة: بدلاً من الفحوصات الإلزامية،
تنفيذ نظام للفحوصات الصحية السنوية المعروضة عالميًا والمحفزة لجميع المواطنين في
سن العمل، مرتبطًا بتخفيضات أقساط التأمين أو مزايا أخرى.
تقلل الرعاية الوقائية
من تكاليف الرعاية الصحية طويلة الأجل من خلال إدارة الأمراض مبكرًا أو تجنبها
تمامًا. إنها تزيد من إنتاجية القوى العاملة وتحسن جودة الحياة بشكل عام. هذا
التحول من العلاج إلى الوقاية هو سمة المجتمع الناضج التطلعي للمستقبل.
الاستثمار الاستراتيجي
والمساءلة القوية
يتطلب إصلاح الرعاية
الصحية المستدام استثمارًا استراتيجيًا مقترنًا بآليات مساءلة قوية. لا يمكن
لأحدهما أن ينجح بدون الآخر.
أولويات الاستثمار:
١. الشراكات بين القطاعين العام والخاص: حشد رأس
المال الخاص للبنية التحتية للمستشفيات، ومراكز التشخيص، وتكنولوجيا الصحة، مع
عقود واضحة تضمن جودة الخدمة والوصول للمواطنين الأردنيين.
٢. صندوق الابتكار الصحي: إنشاء صندوق وطني مخصص
لدعم الشركات الناشئة الطبية، والبحث، ونشر أنظمة الطب عن بعد والسجلات الصحية
الإلكترونية.
٣. الاستثمار الأجنبي المباشر: تحفيز مشغلي
المستشفيات الدولية ومصنعي المعدات لإقامة مراكز إقليمية في الأردن، مع متطلبات
لنقل التكنولوجيا والتوظيف المحلي.
٤. تنمية القوى العاملة: تخصيص تمويل للتدريب
المستمر وحزم التعويضات التنافسية للاحتفاظ بأفضل المواهب والحفاظ على المعايير
العالمية للرعاية.
المساءلة الطبية:
لضمان الكفاءة والثقة
العامة، يجب على الأردن تعزيز المساءلة من خلال:
• إنشاء هيئة وطنية لجودة وأخلاقيات المهنة
الطبية، كهيئة مستقلة مسؤولة عن الإشراف والمراجعة والإبلاغ الشفاف عن الأخطاء
والنتائج الطبية.
• مؤشرات أداء إلزامية يتم الإبلاغ عنها علنًا
لجميع المستشفيات والعيادات، مرتبطة بالتمويل وتجديد التراخيص.
• قوانين قوية لحماية المبلغين عن المخالفات
للعاملين في الرعاية الصحية للإبلاغ عن سوء الممارسة أو الإهمال دون خوف من
الانتقام.
• تقارير أداء عامة سنوية "حالة الصحة"
من قبل وزارة الصحة، تضمن الشفافية وتمكن من الرقابة المواطنية.
الاستثمار بدون مساءلة
يخاطر بالإهدار والفساد. المساءلة بدون استثمار تخاطر بالركود وإضعاف المعنويات.
يحتاج الأردن إلى كليهما لخلق نظام رعاية صحية يقدم الجودة والثقة والاستدامة
طويلة الأجل.
الخاتمة: استثمار في مستقبلنا
المشترك
بناء نظام رعاية صحية
مستدام ليس مجرد واجب اجتماعي؛ بل هو الاستثمار الاقتصادي الاستراتيجي الأكثر
أهمية للأردن في القرن الحادي والعشرين. تخلق هذه الخطة المتكاملة حلقة حميدة:
• توسيع النفاذ يعزز التماسك الاجتماعي ويخلق قوى
عاملة أكثر صحة وإنتاجية.
• التوسع في السياحة العلاجية يخلق فرص عمل عالية
القيمة، ويولد عائدات أجنبية، ويمول التحسينات المحلية.
• تبني التكنولوجيا يقود الكفاءة، ويحسن النتائج،
ويضع الأردن كقائد إقليمي في الابتكار.
• إعطاء الأولوية للوقاية يضمن مدخرات مالية طويلة
الأجل ونوعية حياة أفضل لجميع المواطنين.
فوق كل ذلك، أن تضمين
الاستثمار الاستراتيجي والمساءلة القوية في كل سياسة أن تنتج هذه الرؤية نتائج
حقيقية وقابلة للقياس لكل أردني.
الأمة الصحية هي محرك
الاقتصاد القوي. يمتلك الأردن الخبرة، والقدرة، والرؤية لتحقيق الاثنين معًا. الأردني
الصحي اليوم يعني أردنًا أقوى وأكثر ازدهارًا غدًا. حان وقت العمل الحاسم الآن.