جردة حساب .. لحرب غزة


عوض ضيف الله الملاحمة
الشعب ، أي شعب يرزح تحت الإحتلال ، ويريد تحرير أرضه ، عليه
ان يُقدِّم أثماناً باهظة .
كل شعوب الأرض قدمت الغالي والنفيس لتحرير أوطانها من إستعمار
آني ، زائل ، مؤقت .
أما ما إبتلي به الشعب الفلسطيني ، فهو الأغرب بين أنواع
الإحتلالات . لأن الكيان الصهيوني إحتلالي ، إحلالي ، دائم ، ومقيم على أرض فلسطين
ويعتبرها أرضه ووطنه .
وبعد ان وضعت الحرب أوزارها ، ولملم كل طرفٍ أشلاءه ، وتوقفت
آلة القتل الصهيونية عن الفتك بأهل غزة ، لا بد من جردة حساب ، وتقييم
عقلاني لحرب ضروس إستمرت ل ( ٧٣٣ ) يوماً ، لإستخلاص العبر .
وهنا أبدأ بطرح ما أضافته الحرب للقضية الفلسطينية ما أمكنني
ذلك :—
١ )) يعتبر
هجوم المقاومة الذي سُمي بطوفان الأقصى يوم ٢٠٢٣/١٠/٧ ، حلقة في سلسلة النضال والمقاومة
الفلسطينية .
٢ )) أعاد
طوفان الأقصى الحياة للنضال الفلسطيني الذي غط في سبات عميق بعد ان أجهضته السلطة .
٣ )) حققت
الحرب على غزة تأييداً عارماً في المجتمعات الغربية . حيث تحولت من مناصِرة متعصبة
للصهيونية ، الى تأييد عارم للقضية الفلسطينية ، وعدائية شديدة غير متوقعة للعدو
الصهيوني . وأنتج تحرك شوارع الغرب ضغطاً على حكوماته . وستظهر النتائج خلال
العقد القادم عند صناديق الإقتراع .
٤ )) تحرير
الألوف من المعتقلين الفلسطينيين ، خاصة المحكومين بعدة مؤبدات .
٥ )) أنهكت
الحرب إقتصاد العدو حيث تجاوزت خسائر إقتصاده ال ( ١٠٠ ) مليار
دولار ، كخسائر فعلية . كما يتوقع ان تصل الخسائر الى ( ٤٠٠ ) مليار دولار ،
من النشاط الإقتصادي المفقود على مدى العقد المقبل ، حيث يتوقع ان الصدمة
الإقتصادية ستأتي من تأثيرات غير مباشرة مثل : إنخفاض الإستثمار ، وتباطؤ نمو
الإنتاجية ، واضطراب سوق العمل .
٦)) تكبيد
جيش العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات . ورغم تكتم العدو لكن ما رشح انه تم
قتل ( ١٥٣٨ ) عسكرياً ، وأسر ( ٢٤٨ ) مدنياً ، في هجوم ٧ أكتوبر لوحده . كما
وصل العدد الإجمالي لقتلى جيش الكيان — حسبما أُعلن — الى ( ٢,٥٦٥ ) قتيلاً ، و (
٧,٢٠٠ ) جريحاً ، وأعتقد انه أكبر بكثير . كما خسر جيش الاحتلال حوالي ( ٢,٨٥٠ )
آلية عسكرية .
٧ )) علينا
ان لا ننسى كم الصواريخ التي أمطرت بها المقاومة المستعمرات في غلاف غزة ، وتل
أبيب وضواحيها . مما أحدث رعباً لدى السكان حيث أُجبروا على الهروب والسكن في خيام
، وهذه سابقة لم تحدث من قبل ، مما أدى الى تعطل سلاسل توريد الفواكة
والخضار .
٨ )) حدث
إرباك كبير في القطاع الصناعي بسبب إستدعاء جيش الكيان للإحتياط مما تسبب بنقص
كبير في الأيدي العاملة ، أدى الى إنخفاض شديد في القدرات الإنتاجية للمصانع وخسارة
كمٍ من العقود الخارجية ، خاصة في المنتجات التكنولوجية .
٩ )) إمتناع
أهالي المتشددين الصهاينة عن خدمة أبنائهم في الجيش .
١٠ )) حدوث
تمرد لدى بعض العسكريين الصهاينة .
١١ )) توقف
قدوم المهاجرين للكيان ، وازدياد الهجرة المعاكسة حيث غادر أكثر من ( نصف مليون
اسرائيلي.
١٢ )) فشل
العدو في تحقيق ال ( ٣ ) أهداف التي أعلنها بداية الحرب على غزة .
١٣ )) فشل
العدو في تهجير أهل غزة ، وصمودهم على أرضهم .
١٤ )) إمتلاك
المقاومة زمام المبادأة .
١٥ )) إقتناع
المجتمع الدولي بالإعتراف في الدولة الفلسطينية ، رغم انه لم يحدد لها
حدوداً ، لكن إعتراف ( ١٥٧ ) دولة من أصل ( ١٩٣ ) لابد الا ويعني شيئاً .
١٦ )) طوفان
الأقصى أعاد القضية الفلسطينية لواجهة الإهتمام العالمي ، بعد ان كادت ان تُنسى .
من المتعارف عليه ان عدد القتلى من الثوار يكون أضعافاً
مضاعفة مقارنة بقتلى الجيوش ، لأسباب عديدة أهمها ان الجنود يمتلكون أدوات قتل
فتاكة ، ويحاربون وهم يتحصنون في آليات ضخمة .
وهنا سوف أسرد ما حققه العدو الصهيوني من تلك الحرب ، ما
أمكنني ذلك :—
١ )) إيقاع
خسائر جسيمة في الأرواح حيث زاد عدد الشهداء من كادر المقاومة عن ( ١١,٠٠٠ ) شهيد
، وإرتقى من المدنيين ما يزيد عن ( ٧٠,٠٠٠ ) شهيد ، وحوالي ( ٢٠٠,٠٠٠ ) جريح ، عدا
عن المفقودين .
٢ )) أوقع
العدو دماراً هائلاً في البنية التحتية ، مثل تدمير شبكات المياة ، والصرف الصحي ،
والكهرباء ، والمستشفيات، والجامعات ، والمدارس ، ودور العبادة ، والبنايات ،
والأسواق ، اي انه أحال مدن غزة الى أشباح .
٣ )) نجح
العدو في قتل ، او جرح وتشويه وفقد ، حوالي ( ١٣ ٪ ) من سكان القطاع .
٤ )) نجح
العدو في التسبب بعُقد وأمراض نفسية كبيرة لدى السكان .
٥ )) تسبب
العدو في وجود عدد كبير من الأرامل والأيتام ، وهذا سيتسبب في مشاكل إجتماعية لا
حصر لها .
٦ )) أصبح
الفقر المدقع والموت بسبب الجوع ظاهرة عمت القطاع . وتدمرت معظم المصالح الخاصة
مما سيزيد من سوء الوضع الاقتصادي وزيادة البطالة .
٧ )) نجح في
إحداث شروخ خطيرة بين النظام الرسمي العربي والشعوب العربية .
٨ )) تدمير
قدرات وإمكانيات المقاومة ، وتحييد إيران .
٩ )) نجاح
الكيان في كسب التأييد والدعم الرسمي الغربي والعربي .
١٠ )) نجاح
العدو في تجنيد العديد من العملاء داخل القطاع .
١١ )) تمكن
العدو من تصفية عدد كبير من قيادات الصف الأول للمقاومة .
١٢ )) تمكن
الكيان من تدمير إقتصاد القطاع .
١٣ )) إمتلاك
العدو لأدوات إعادة إشعال الحرب وبوحشية أشدّ .
١٤ )) تعطيل
نظام التعليم لعامين كاملين وأكثر بسبب تدمير البنية التحتية .
ولتفادي التكرار ، حيث لا تسمح مساحة المقال ، أرى ان نعتبر
مكاسب المقاومة هي بمثابة خسائر للعدو ، ومكاسب العدو بمثابة خسائر للمقاومة .
وهنا أقول انها كانت حرباً قاسية وباهظة التكاليف على الطرفين
. وانه من المنطق ان لا نعتبر ان طرفاً إنتصر وطرفاً خسر . لأن النصر بالنسبة
للكيان لم يتحقق على أرض الواقع ، فالمقاومة موجودة ولو انها مُنهكة ، والشعب بقي
على أرضه .
كما ان المقاومة لم تنتصر ، لأنها لم تحرر الأرض المحتلة .
ولو انه من المنطق ان لا نُطالِب المقاومة بتحقيق النصر من جولة . لأن عمل
المقاومة يُحسب تراكمياً ، ويكون موجعاً للعدو ، حتى يصل لمرحلة يدرك فيها انه غير
قادرٍ على تحمّل كلفة إحتلاله لأرض الغير .
وعليه أقول ان كل طرف أوقع أضراراً فادحة في الطرف
الآخر . وكل منهما حقق مكاسب ، كما تكبد خسائر .
كما أرى ان لا يغيب عن البال انها ليست حرباً بين جيشين ، بل
بين جيش يمتلك أحدث الأسلحة ومدعوماً من دول حلف الناتو ، وبين مقاومة بقدرات
متواضعة ، وتعاني من حصار لأكثر من ( ١٧ ) عاماً .
ومن المهم ان لا نغفل عن ان حروب الثوار يأخذ الحيز المعنوي
هامشاً كبيراً ، وان إنجازات الثوار تحسب تراكمياً .
كما ان جسامة الخسائر وفداحتها ، من المنطق ان لا تُثني
شعباً عن نضاله لتحرير أرضه .