كاتب اسرائيلي: نتنياهو لم يقرّب إسرائيل من السلام بل من جنازتها


صحيفة
"هآرتس"،
في عام 2016، وصل إلى
إسرائيل عدد من قادة العالم للمشاركة في جنازة رئيس الحكومة والرئيس الأسبق شمعون
بيريس. حضر ما يقارب 20 رئيس دولة، و5 رؤساء حكومات، و15 وزير خارجية لتقديم
الاحترام الأخير لـ"أب اتفاقات أوسلو"، من بينهم الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والأمير تشارلز.
أحد الضيوف رفيعي المستوى الذين شاركوا في
الجنازة نقل إلى بنيامين نتنياهو رسالة عبر ملياردير صديق مشترك، جاء فيها:
"إذا كان بيبي (نتنياهو) يريد أن يُحظى باحترام مماثل، فعليه أن يسير في طريق
بيريس.
عليه أن يبدأ بالتحرك،
ويطلق العملية السياسية، ويسلك طريق السلام وإقامة دولة فلسطينية".
وقد ردّ نتنياهو على
تلك الشخصية الرفيعة برسالة معاكسة قال فيها: "لا تأتِ إلى جنازتي. ولكن إذا
سرتُ في الطريق الذي تقترحه، فستكون أنت من يحضر جنازة الدولة".
تسع سنوات مضت منذ ذلك الحين، واليوم بات واضحًا
أنه عندما يرحل نتنياهو عن الدنيا، لن تحط طائرات الزعماء في إسرائيل لمرافقته إلى
مثواه الأخير.
أما الدولة نفسها، فقد
قرّبها نتنياهو إلى رحلة جنازتها هي، بعدما جعل شرائح واسعة في الغرب تشكك في حق
إسرائيل في الوجود ذاته.
قال نتنياهو في تأبينه لشمعون بيريس: "فقط
الأقوياء هم من ينجون".
طوال مسيرته السياسية
الطويلة استخدم نتنياهو لغة داروينية تقوم على البقاء للأقوى:
من يُظهر ضعفًا — أمام
الأعداء، أو الولايات المتحدة، أو الخصوم، أو الشركاء السياسيين — سيُهزم.
شعارات مثل:
"نتنياهو قوي أمام حماس"، "نتنياهو يمين قوي وناجح"،
"نتنياهو قوي أمام أمريكا"، كانت عناوين حملاته المتكررة لتسويق نفسه —
وهي شعارات تبدو اليوم منفصلة عن الواقع في ظل ما تشهده البلاد من فقدان وأخفاق.
الخطيئة
الأصلية المرتبطة بالمجزرة والحرب تعود إلى مشروع نتنياهو السياسي قبل أن يصبح متّهَمًا:
إفشال أي إمكانية لحل النزاع. ولتحقيق مشروعه عمل على تعميق انقسام المجتمع
الفلسطيني، وسهّل إدخال حقائب الدولارات القطرية إلى حماس، ولم يحاول تحريك
المفاوضات السياسية ولو خطوة واحدة.
خصومه، من بيريس ورابين إلى لابيد وبينيت،
صوّرهم نتنياهو كضعفاء سيقود ضعفهم البلاد إلى الهلاك.
لكن نظرة باردة إلى
أدائه تكشف زعيمًا ضعيفًا، مترددًا، ومنقادًا، أفشل صفقات تبادل الأسرى خوفًا من
أن تُسقط الفصائل اليمينية المتطرفة حكومته، ثم عاد فدعم تلك الصفقات خوفًا من رد
فعل الرئيس ترامب الذي هدده بأنه إذا واصل الرفض، فسيوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل.
من الشائع الاعتقاد أن الانقلاب القضائي — الذي
سعى نتنياهو من خلاله لإنقاذ نفسه من مأزقه الجنائي — هو خطيئته الكبرى، إذ دفع
حركة حماس إلى الاستنتاج بأن إسرائيل تعيش أضعف لحظاتها التاريخية، وأن هذه هي
الفرصة المثالية للهجوم.
لكن يبدو أن الخطيئة
الأصلية، المرتبطة أيضًا بالمجزرة والحرب الطويلة التي تلتها، تعود إلى مشروع
نتنياهو السياسي قبل أن يصبح متّهَمًا جنائيًا: وهو إفشال أي إمكانية للحل الوحيد
للنزاع.
ولتحقيق هذا المشروع الممنهج، عمل نتنياهو على
تعميق الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني، وسهّل إدخال حقائب الدولارات القطرية إلى
حماس، ولم يحاول تحريك المفاوضات السياسية ولو خطوة واحدة.
حتى إصراره على تخليد الصراع روّج له بلغة
القوة: على عكس خصومه، قال إنه الأقوى والوحيد القادر على الصمود أمام الضغوط
الدولية لضمان بقاء إسرائيل.
لكن في الواقع، فإن
ضعفه في قراءة الواقع وغياب شجاعته السياسية أدّيا إلى اقتراب الصراع من مرحلة
التدويل، وبالوتيرة الحالية، قد يُفرض حل الدولتين على إسرائيل قسرًا.
وهكذا، يظهر التقييم المرحلي أن نتنياهو قوي
جدًا في مجال واحد فقط: البقاء الشخصي والسياسي، وتمتّعه بقدرة استثنائية على
النجاة حتى وسط الأعاصير — من اغتيال رابين إلى إعصار السابع من أكتوبر.
أما جميع إنجازاته
الأخرى فهي ضعف وإضعاف.
الآن، عليه أن يعود إلى بيته، حاملاً على ظهره
حقيبة مثقلة بالخطايا.
فهو لا يستطيع ولا
يستحق أن يكون الرجل الذي يقود تنفيذ خطة ترامب، كما دلّ غيابه عن قمة شرم الشيخ.
لكن على من يطمحون إلى
خلافته أن يفهموا أيضًا أنه إذا استمروا في عدم طرح طريقٍ لحل الصراع الوطني،
فإنهم سيحملون بأيديهم نعش الدولة ذاتها.
·
غيدي فايتس هو صحفي
استقصائي إسرائيلي بارز يعمل في صحيفة "هآرتس"، ويُعتبر أحد أبرز
الصحفيين المتخصصين في التحقيقات السياسية والجنائية في إسرائيل
·
نقلا عن
صحيفة الاتحاد الفلسطينية