القاضي فرانك .. هنيئاً لك في مأواك


عوض ضيف الله الملاحمة
ما أعظم كلمة الرحمة . أليس الرحيم إسماً من أسماء الله
الحسنى؟
توفي القاضي الرحيم / فرانك كابريو ، عن عمر ناهز ( ٨٩ )
عاماً ، حيث ولد عام ١٩٣٦ ، وتوفي عام ٢٠٢٥ بعد صراع طويل مع مرض سرطان
البنكرياس . درس الحقوق ، وعمل مدرساً ، ثم محامياً ، ثم قاضياً . شغل منصب رئيس
محكمة البلدية في بروفيدنس ، في ولاية رود آيلاند الأمريكية ، لسنوات طويلة ، منذ
عام ١٩٨٥ . كما شغل منصب رئيس مجلس محافظي رود آيلاند للتعليم العالي الذي يتحكم
في القرارات الرئيسية لجامعة رود آيلاند ، وكلية رود آيلاند ، وكلية المجتمع في رود
آيلاند .
في عام ٢٠٢٥ ، ودّع العَالم أطيب قاضٍ في التاريخ الحديث .
سُمي ب ' القاضي الرحيم ' بسبب تعاطفه ورحمته للناس في قاعات المحكمة . حيث كان
يؤمن بأن العدالة يجب ان تُقاد بالتعاطف والنزاهة .
تزوّج كابريو ب / جويس كابريو ، ودام زواجهما أكثر من ( ٥٠ )
عاماً . ولهما ( ٥ ) أبناء هم : فرانك / وديفيد / وماريسا / وجون / وبول ، ورُزِقا
ب ( ٧ ) أحفاد .
كان كابريو منتمياً للحزب الديمقراطي ، وخاض معه انتخابات
محلية ، وكان كاثوليكياً . وهو الإبن الثاني من بين ( ٣ ) أبناء لوالده / أنطونيو
كابريو ، ذي الأصول الإيطالية ، من مدينة تيانو ، ووالدته / فلومينا كابريو ،
الأمريكية الإيطالية التي هاجرت عائلتها هي الأخرى من مدينة نابولي بإيطاليا .
نشأ / كابريو في أسرة فقيرة ، حيث إشتغل ماسحاً للأحذية ،
وموزعاً للصحف وهو صغير السنّ . كما إشتغل أيضاً في شاحنة لتوزيع الحليب . وسار
على نهج والده في الجدّية والإجتهاد بهدف تحسين ظروف حياته وحياة عائلته .
هذه التنشئة زرعت في كابريو القدرة على رؤية العالم من منظور
الآخرين .
كان القاضي / كابريو ، رحيماً بالضعفاء والمظلومين ، وعُرِف
برحمته ، ورأفته ، وعفوه عن الناس . وإكتسب القاضي / كابريو ، في السنوات الأخيرة
شهرة عالمية واسعة ، بعد إنتشار مقاطع فيديو له على مواقع التواصل الإجتماعي ،
تظهره في محاكمات اغلبها لمهاجرين ، تميزت بالرأفة والرحمة ، والتماس العذر
للمتهمين ، مع حضور روح النكتة في جلساته ، حتى لُقِب ب ( القاضي الرحيم ) ، نظير
مواقفه الإنسانية وإنحيازه للضعفاء والمظلومين .
القاضي / كابريو لم تظهر إنسانيته في موقف معين ، ولا مع شخص
معين ، ولم يتعاطف مع مظلوم في قضية معينة ، أبداً . القاضي / كابريو كان متسامحاً
وحليماً ونبيلاً مع كافة الناس ، الذين ليس بينه وبينهم معرفة شخصية او واسطة او
محسوبية . تبدت إنسانيته ، وظهرت مع كل الناس . بغض النظر عن أصولهم ودياناتهم
وانتماءاتهم وخصوصية حياتهم . هكذا يكون النبلاء ، وهكذا يكون العظماء باخلاقهم
وقيمهم .
ما أعظم ما وصلتَ اليه ، وحصلتَ عليه ، حيث حُزت محبة الناس ،
وكسرت المثل الذي يقول : ( إرضاء الناس غاية لا تدرك ) . وأنت أدركتها وحققتها وفزت
بها . أنت لم تكتفِ بإدراك رضا الناس ، بل أحبوك لدرجة أنهم أطلقوا عليك لقب (
القاضي الرحيم ) . محبة الناس من محبة ربّ العزة لعباده . وها أنت قد غادرت الدنيا
، وأنت الآن بين يدي ربٍ غفور رحيم .
هنيئاً لك ، لقد غادرت هذه الدنيا الرخيصة ، الزائلة ،
الفانية وقد سبقتك عشرات ملايين الرحمات . أي مجدٍ هذا ؟ وأية سيرة هذه ؟ وأية قيم
تلك التي حملتها وأوصلتك الى هذا المجد الإنساني ؟ وأية رحمات أنزلتها على الناس
حتى تترحم عليك البشرية كلها ؟
كم نحن بحاجة الى مسؤولين رحماء . الرحمة من أسماء الله
سبحانه وتعالى ، وهي من أهم صفاته سبحانه وتعالى . تصوروا الحياة لولا الرحمة ،
وبدون الرحمة ؟
القاضي / كابريو ، كان يكسر رهبة ، وهيبة المحكمة عند البسطاء
، فيحادثهم ، ويلاطفهم بلطف وحرص . وكان عندما يرافق الأم طفلاً يداعبه ، ويشركة
في القرار . وفي أحد الفيديوهات التي شاهدتها ، أشرك طفلة في محاكمة أمها ، وسألها
: هل أُمكِ مذنبة ؟ ثم طلب من الطفلة ان تحضر لعنده ، وسألها : كم مبلغ الغرامة
التي ترين ان والدتكِ تستحقها ؟
وفي إحدى المحاكمات ، وبعد ان حكم على إمرأة بدفع مبلغ معين
كغرامة ، قالت السيدة أنها لا تملك نقوداً . وما كان منه الا ان تبرع بمبلغ ، وحثّ
الحضور الذين لديهم إمكانية ان يتبرعوا . فجمع مبلغ الغرامة ، ومبلغاً آخر لتنفق
فيه على نفسها .
القاضي / كابريو من الرجال العظماء ، العظماء بإنسانيتهم ،
وتواضعهم ، ورقي مشاعرهم ، ونُبل قيمهم . القاضي / كابريو وأمثاله ، يعيدون
للإنسان إنسانيته ، وشعوره مع الآخر .
رحم ربي القاضي الرحيم / كابريو وأسكنه فسيح جناته .
متضرعاً للعلي القدير ان يكون القاضي العادل من بين القضاة الثلاثة الذين ذكرهم
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
شخصياً أُعجب بالشخص المتواضع المُحب للناس ، المُحب
للعدالة مع الرحمة لتكون عدالة متميزة تأتي بعد عدالة السماء الربانية المطلقة