غزّة… تغرق بالمطر كما غرقت بالدم
الدكتور منير البرش *
بين خيامٍ واهنة لا
تقوى على الريح، وأمطارٍ تنهمر كأنها تكملةٌ لمشهدٍ لم يكتفِ بالقصف والدمار…
غرقت غزة اليوم،
بأطفالها ونسائها ورجالها.
الخيمة التي لم تكن
يومًا بيتًا، أصبحت الوطن الوحيد لمن هُدم بيته، وآخر فصل في رواية النزوح الطويل.
وحين جاءت العاصفة…
انطفأت المدافئ القليلة، وابتلّ الفراش، وتسربت المياه إلى صدور الأطفال الذين لم
يجفّوا بعدُ من رعب القصف.
اجتماعُ الجراح… جريمةٌ مضاعفة.
على بقعةٍ واحدة تجتمع
أربعة أوجاع لا تجتمع في أي مكان آخر:
قتلٌ لا يتوقف، وتشريدٌ
لا ينتهي، ونزوحٌ بلا أفق، ومطرٌ يغرق ما تبقّى من حياة.
في خيمةٍ تصارع
العاصفة،
تجلس أمٌّ تضم طفلَها
المبلّل، لا تدري أيّهما أشدُّ عليها:
البرد الذي ينهشُ
عظامه… أم الخوف الذي يمزّقُ قلبها.
وفي خيمةٍ أخرى…
يرفع رجلٌ أطرافَ خيمته
عن الماء، كأنه يحرس ما تبقّى من الكرامة بعد أن عجز العالم عن رفع الظلم.
أطفالٌ يغرقون مرتين.
يغرق أطفال غزة اليوم
مرتين:
مرةً تحت المطر الذي
اقتحم خيامهم،
ومرةً في صمت العالم
الذي رأى الغرق… وسمع البكاء… ولم يتحرك.
أطفالٌ بلا أسقف،
بلا دفء،
بلا بطانيات،
وبلا عالمٍ ينصفهم.
غزّة… المكان الوحيد الذي تُطارد فيه الكوارثُ
بعضها
القصف يتلوه النزوح،
والنزوحُ تتبعه
العاصفة،
والعاصفةُ تُكمل ما
بدأته الحرب.
ومع ذلك…
ما تزال غزة واقفة.
تغرق… لكنها لا تغرق في
اليأس.
تبكي… لكن دموعها تصنع
للغد معنى.
تُصفَع بالعواصف… لكنها
ترفع رأسها مثل جبلٍ لا يُهزم.
غزة تؤمن بأن المطر لا يغرق من تعلّم السباحة في
بحر الألم
غزة لا تنتظر معجزة،
لكنها تنتظر ضميرًا…
ضميرًا واحدًا فقط يقول
للعالم:
كفى.
*
مدير عام وزارة الصحة بغزة















