د. محمد علي النجار يكتب:
الاعتداءات على خطوط المياه ... إلى متى؟!!


منذ سنوات .. نقرأ ونسمع عن اعتداءات على خطوط المياه ، وسرقة كميات كبيرة منها ، مما يؤثر سلبًا على حقوق المواطنين ، الذين هم بأمس الحاجة لهذه الكميات المنهوبة من المياه في أنحاء المملكة.
قلت: إن هذه القضية قديمة ، ليست وليدة الساعة أو اليوم ، أو حتى الشهر ، بل ترجع أحداثها ووقائعها إلى سنوات طوال .. وما تزال ؛ ففي كل يوم أو بضعة أيام ، تطالعنا الأخبار عن ضبط مخالفات .. وسرقات للمياه في مناطق متعددة ، أو قل: لم تنجُ منطقة على امتداد الوطن ، إلا كان فيها اعتداءات على خطوط شبكة المياه ، وكأنها مشاع لكل من تسول له نفسه بالتغول على حقوق الآخرين .. وقد يرى هؤلاء في سلوكهم العدواني ، ذكاء منهم ومهارة وعبقرية ، لا سلوكًا يجرمه القانون ، وتعديًا يرفضه المجتمع ، وعيبًا في عرف العادات والتقاليد ، وحرامًا في حكم الدين!!.
فمن اعتداءات بمنطقة اللبن لتزويد عدة مزارع ضخمة ، تزيد مساحتها على مئة دونم ، تستهلك ما يزيد عن 1200 متر مكعب يوميًا ، مع وجود عدد كبير من البرك الكبيرة ، التي تتسع لآلاف الأمتار المكعبة!! ، إلى ضبط ثلاثين اعتداء على خطوط الماء في مناطق لواء الرصيفة!! ، فيما لخص معالي وزير المياه والري وقتها حجم المشكلة ، عندما صرح (28/7/2019) بأنه تم ضبط وإزالة (51420) واحد وخمسين ألفًا وأربعمئة وعشرين اعتداء على خطوط المياه الرئيسة في مختلف مناطق المملكة!!.
وبالرغم من ذلك لم تتوقف الاعتداءات ، فبعدها شهدت منطقة الموقر عدة اعتداءات متوالية ، وسرقة مئات الأمتار المكعبة من الماء يوميًا ، لري مزارع ، وتعبئة صهاريج لبيع المياه .. وبعدها تم ضبط اعتداءات في منطقة الحلابات ، لتزويد مزرعة بمساحة 25 دونمًا ، بأشجارها ومسابحها ، ولم تكن منطقة الحسينية بمحافظة معان ببعيدة عن هذه الاعتداءات حيث تم ضبط ست محطات غسيل شاحنات وسيارات بالجرم المشهود ، وكذلك اعتداءات مماثلة في الكرك!!.
وخلال الشهرين الماضيين ، تم ضبط عدد لا يستهان به من الاعتداءات على خطوط المياه ، ففي منطقة مأدبا ، تم الكشف عن سرقة مياه لري مزارع ، وتعبئة صهاريج ، وتعبئة برك زراعية!! ، وبعدها مباشرة ، تم ضبط سرقات للمياه لري مزارع وأشجار ، إضافة إلى مزرعة طماطم بمساحة عشرين دونمًا ، وتزويد شاليهات سياحية بالمياه ، وتعبئة صهاريج في السويمة والشونة الجنوبية وعمان!!.
أما محافظة الزرقاء وفي نفس الفترة ، فقد تم ضبط اكثر من مئة اعتداء جديد في مناطق مختلفة من المحافظة .. وبعدها بأسبوع تم ضبط سبعين اعتداء على خطوط المياه في الرصيفة.
وقبل أيام ، وفي إطار الحملة التي تهدف إلى ضبط الاعتداءات على خطوط المياه في جميع مناطق المملكة ، كشف النقاب عن ضبط اعتداءات جديدة في منطقة جنوب العاصمة وبالتحديد في منطقة أم العمد ، لري مزارع ، وتعبئة برك زراعية ، لتخزين المياه فيها ، مما يؤثر بكل تأكيد على كميات المياه المخصصة للمواطنين في المناطق القريبة.
وإذا كانت هذه الكميات المسروقة تبلغ آلاف الأمتار المكعبة من المياه ، فإن الخطير في الأمر أن هذه الجهات لا تكتفي بحاجتها من الماء ، بل لا يهمها هدر المزيد من المياه التي قد تراها حقًا مكتسبًا لها ، مادامت تسرقها دون حسيب أو رقيب!!.
هذه الاعتداءات على مقدرات الوطن ، والسرقات للمياه المخصصة للمواطنين ، تتكرر على مدار العام دون رادع من ضمير ، أو إحساس بالمسؤولية ، والغريب في الأمر ، أنه في كل واقعة نقرأ: (حيث تم ضبط وإزالة الاعتداء ، وإعادة الأوضاع كما كانت ، وإعداد الضبوطات الخاصة بالواقعة ، وتحويلها للاجهزة المختصة ..).
أنا لست أعرف هؤلاء المعتدين على خطوط المياه ، ولا الجهات المسؤولة تعلن عنهم ، ولكن كلنا يعرف أنها اعتداءات على الوطن وممتلكاته ، وعلى حقوق المواطنين ، الذين ينتظرون هذه المياه كل أسبوع على أحر من الجمر ، ناهيك عن المواطنين الذين قد لا تصلهم ..
والسؤال هنا: لماذا امتد مسلسل سرقة المياه على مدى سنوات .. ومازال؟!! .. ومتى ستكون الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل غير الأخلاقي؟! .. وإلى متى يظل هذا المسلسل يرهق الجهات المسؤولة ، ويشتت جهود موظفيها ، ويحرق أعصابهم ، ويقتل أوقاتهم؟!.
(مَن أمِنَ العقوبة) أساء التصرف ، وتطاول على الحقوق ، وقفز فوق القانون!!.
فكم مرة – خلال السنوات الأخيرة - قرأنا عن وقائع ضبط المخالفين والمعتدين على خطوط المياه؟... ولكن في المقابل ، كم مرة تم الإعلان عن تنفيذ القانون بحق هؤلاء ، ومعاقبة القائمين ، والمسؤولين عن هذه السرقات من أصحاب المزارع والمسابح ، والبرك والشاليهات ، أو أصحاب صهاريج المياه!! ، جراء إسرافهم لكميات كبيرة من المياه التي أهدروها ، وسلبوها من مخصصات المواطنين ، وضيعوا بأفعالهم أوقات الجهات الرسمية والأمنية وجهودها ، وأشغلوها في ملاحقة المخالفين؟!!.
ومن هنا لا بد من اتخاذ الإجراءات الحازمة بحق المخالفين ، وتطبيق العقوبات الرادعة عليهم ، وتعميم الأحكام الصادرة بحقهم ، والإعلان عنها للجمهور ، إذ من غير المعقول أن نظل أسرى للعبة القط والفأر .. فلا بد من الضرب بقوة على أيدي العابثين بمقدرات الوطن ، وحقوق المواطن ، خاصة وأننا في الأردن ، وكما يعلم القاصي والداني أننا نعاني ما نعانيه من فقر مائي ، وحاجة لكل قطرة ماء ، الأمر الذي كان من المفروض أن يضع كل مواطن أمام مسؤولياته ، في المحافظة على الثروة المائية بكل وسيلة متاحة ، والتعاون مع الجهات ذات العلاقة ، للخروج من هذه الأزمة المزمنة ، التي تحتاج إلى التخطيط السليم ، والتفكير الجاد ، ووضع استراتيجية عابرة للحكومات لإيجاد حلول جذرية لها.
حفظ الله الأردن ؛ أرضًا طيبة مباركة .. وشعبًا عزيزًا معطاء .. وقيادة هاشمية رشيدة ..