مؤتمر يهودي .. مناهض للصهيونية .. في العاصمة النمساوية


عوض ضيف الله الملاحمة
حدث عظيم ، ومهم ،
وخطير ، ومتفرد ، وقد يغير وجه العالم ، وتوازناته ، وقرارته ، وانحيازاته ، ويصحح
تشوهاته ، هذا الحدث يتمثل في المؤتمر اليهودي المناهض للعنصرية الصهيونية ، الذي
عُقد في العاصمة النمساوية فيينا في الفترة من ( ١٣ - ١٥ / ٦ /٢٠٢٥ ) .
يجب ان يُنظر الى هذا المؤتمر
على انه حدث عظيم من زاويتين:—
أولهما : مناصرته
للقضية الفلسطينية بشكل مطلق ، وغير مسبوق ، حيث يعتقد هؤلاء اليهود بأن إنشاء
الكيان هو ضد عقيدتهم ، ويعتبرونه مخالفاً لتعليمات رب العباد الذي كتب على اليهود
الشتات الى يوم الدين ، عقاباً لهم على عصيانهم ، وتكفيراً وتخفيفاً من عقابهم في
الآخرة . لذلك هم يدعون في صلواتهم على الكيان ويتضرعون لرب العباد لزواله .
وثانياً :— أنه مناهض
للعنصرية الصهيونية والفكر الصهيوني ولبروتوكولات حكماء صهيون . كما انه
يعارض نشأة الكيان ويؤمنون بان فلسطين للفلسطينيين ، كما انهم يحبذون العيش بين
العرب وفي ظل الإسلام لأنهم يؤمنون بان أفضل حياة عاشها اليهود تحت جناح الدول
الإسلامية وانهم عاشوا بأمان ، وإحترام ، ومارسوا طقوسهم الدينية بحرية .
هذا المؤتمر اذا تمدد ،
وانتشرت قراراته ، وتمت رعايتها ، سيغير الكثير من القرارات الدولية ، والتوازنات
السياسية ، والتوجهات الدولية . فإذا ما قُيض له النجاح ، ولقراراته الإنتشار
سيؤدي في النهاية الى الغاء قرار معاداة السامية الذي أوجد مظلة لرعاية الحركة
الصهيونية ودعمها . كما سيفكك بعض القيود التي فرضتها بعض القرارات على حكومات
الغرب التي تلتزم بها وتدعم الحركة الصهيونية ، وربما يؤدي في النهاية الى إضعاف
المد الصهيوني ، وهذا سينعكس سلباً على اللوبيات الصهيونية التي تحكم دول الغرب من
خلف ستار سابقاً ، وفي وضح النهار حالياً .
وسبق المؤتمر ، وتزامن
معه المظاهرات الحاشدة التي تعم شوارع اوروبا وامريكا من بداية الحرب على غزة قبل
حوالي ( ٢١ ) شهراً . والأهم يتمثل في مظاهرات اليهود الأمريكان في العاصمة
الأمريكية الذين لم يتوقفوا عن التظاهر أبداً ، لا بل تزداد مظاهراتهم صخباً ،
وأعداداً ، وإصراراً ، وتعاطفاً مع أهل غزة تحديداً ، ومع القضية الفلسطينية
عموماً ، بل والأهم ضد الصهاينة عموماً وضد الكيان خصوصاً .
نعرف ان هناك عشرات
المنظمات اليهودية التي تحارب الصهيونية واغلبها داخل الكيان ، وأكبرها وأشهرها
حركة ( ناطوري كارتا ) التي يتعدى عدد منتسبيها ال ( ١,٥ ) مليون يهودي . لكن لهذا
المؤتمر أهمية خاصة.
وسوف أقتبس بعض النقاط
من مقال للدكتور / مصطفى البرغوثي ، رئيس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية . وهذا
الرجل يحظى بإحترام العالم أجمع لمصداقيته ، وجرأته في قول الحقيقة ، وإنتمائه
الصادق لقضيته ، والمهدد بالتصفية الجسدية من السلطة الفلسطينية . يقول الدكتور
مصطفى البرغوثي :— [[ لأول مرة يعقد مؤتمر يهودي مناهض للصهيونية . لأول مرة يعقد
اليهود مؤتمراً لهم بحضور ( ٥٠٠ ) شخصية يهودية جاءوا من كل اصقاع العالم . لأول
مرة يكسر اليهود إحتكار الصهيونية لتمثيل اليهود . لأول مرة تتعزز الشرعية
الأخلاقية والسياسية للنضال الفلسطيني في المحافل الدولية بعد ان اصبح لهم داعمون
من داخل الجماعة التي تدعي الصهيونية التحدث باسمها . لأول مرة يدعو اليهود في
مؤتمر دولي رسمياً الى تجميد عضوية الكيان في الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي
والى إحياء المقاطعة الأكاديمية والثقافية ضد الكيان . لأول مرة وفي مؤتمر دولي
يصرح يهودي نجا من الهولوكوست / المحرقة بأن الكيان يرتكب الفظائع بإسمنا ، ويعتبر
المؤتمر الكيان نظام فصل عنصري إحلالي يشبه نظام الأبرتايد . المؤتمر يدعو
المشاركين لتشكيل إئتلاف يهودي فلسطيني أمني لإسقاط الكيان . لأول مرة يطالب
المؤتمر بمحاسبة الكيان وقادته أمام المحكمة الجنائية الدولية. صدر عن المؤتمر
اعلان يرفض إدعاء الصهيونية بأنها تمثل اليهودية ، ويدينون إستخدام اليهودية
كأداة للإستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني . لأول مرة
في مؤتمر يهودي دولي يتبنى المشاركون تحرير فلسطين من البحر الى النهر ورفض حلّ
الدولتين بإعتباره غطاءاً لتكريس الإستعمار . يدعم المؤتمر وبشكل صريح المقاومة
الفلسطينية بكل أشكالها واعتبارها مقاومة مشروعة ضد إستعمار عنصري ، وملاحقة
الحكومات الغربية المتواطئة في الإبادة الجماعية ، وتحقيق العدالة التاريخية بحق
العودة للاجئين الفلسطينين . هاجم المؤتمر دعم اميركا اللامحدود للكيان ، وهاجم
المانيا لإستخدامها المحرقة لتبرير دعمها السياسي والعسكري كما هاجم فرنسا والنمسا
لقمع الإحتجاجات المؤيدة لفلسطين بحجة معاداة السامية . وجاء في البيان ( العار كل
العار على حكومات الغرب التي تبرر الإبادة وتقمع التضامن مع الضحايا الفلسطينيين )
. يؤكد المؤتمر على ان معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية ، بل ان الصهيونية
نفسها تهدد الوجود الأخلاقي اليهودي . أعلن المؤتمر : نحن يهود ضد الصهيونية ،
ونرفض ان ترتكب جرائم باسمنا . ليس عبثاً ان يعقد المؤتمر في فيينا ، إذ علق أحدهم
متهكماً : هنا وُلد هرتزل — مؤسس الحركة الصهيونية — وفي القاعة المقابلة ماتت
فكرته . خلال استراحة اثناء المؤتمر قامت عجوز نمساوية يهودية عمرها ( ٩١ ) عاماً
نجت من المحرقة وغنت مع بعض الحاضرين اغنية ( موطني ) بالعربية المكسرة وقالت :
كنت اغنيها ايام النكسة ولم أكن أعلم أنني سأغنيها ضد تل ابيب يوماً ]] . إنتهى
الإقتباس.
العالم يتحول ، ويتغير
، والكيان يخسر ، والقضية الفلسطينية تكسب شعبياً ، وجماهيرياً الآن . وبما ان دول
الغرب ديمقراطية وتشهد تداولاً مستمراً منتظماً للسلطة ، فإن صناديق الإقتراع خلال
العقود القادمة ستأتي بقادة وبرلمانيين وسياسيين يؤيدون القضية الفلسطينية
وينحازون اليها ، وسيتخلصون من اللوبيات الصهيونية الضاغطة والحاكمة من خلف ستار ،
لتتحول المواقف ، وتتغير التوازنات . وعندما يفقد الكيان الدعم الغربي سيبدو
كياناً هشاً طارئاً ، وسيكون مصيره الإنهيار ، والزوال بإذن الله .