جدعون ليفي: صور التجويع تجتاح الشاشات، والإسرائيليون ينكرون


هارتس
هكذا تمامًا تصرف
البروفيسور روبير فوريسون من جامعة ليون، الذي ادعى أنه بحسب حجم غرف الغاز، لم
تحدث المحرقة
ليست
هناك ظواهر كثيرة أكثر دناءة من إنكار المحرقة اليهودية. المنكرون ادعوا أن
المحرقة لم تحدث، وإن حدثت، فإن عدد الضحايا كان ضئيلاً، أو أنه لم تكن هناك غرف
غاز. أجروا قياسات وكان لديهم "بيانات". واعتُبرت المحرقة مؤامرة تهدف
إلى ابتزاز التعويضات واستدرار التعاطف. وقد تم تجريم الإنكار في العالم، واعتُبر
المنكرون معادين للسامية. المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ سُجن في النمسا ونُبذ من
المجتمع.
كذلك
تم التنديد بأي تشكيك في أحداث 7 أكتوبر في إسرائيل، وكل من تجرأ على القيام بذلك
وُصم بمعاداة السامية. حين قال روجر ووترز إنه لا توجد أدلة على حدوث اغتصاب، وإن
قصة حرق الأطفال في الأفران كانت كذبة إسرائيلية، تعرض لهجمات. وكذلك آخرون أشاروا
إلى المبالغات في الرواية الإسرائيلية.
في
الأسابيع الأخيرة، تجتاح إسرائيل موجة إنكار مشينة: يتبناها جزء كبير من الجمهور
وتشارك فيها معظم وسائل الإعلام. حاولنا التجاهل، الإخفاء، صرف النظر، إلقاء اللوم
على حماس، القول بأن هذه طبيعة الحروب، الزعم بأنه لا يوجد أبرياء في غزة، إلى أن
فاض كأس الجرائم الإسرائيلية هناك. ومع وصول التجويع حتى الموت، لم يكن هناك بدّ
سوى الانتقال إلى الإنكار — وهو إنكار لا يقل وضاعة عن إنكار المحرقة. يشمل أيضاً
إنكار نوايا الإبادة الجماعية والتهجير الواضحة.
هذا
الإنكار مقبول في إسرائيل، بل هو ما يشكل "الصواب السياسي" — لا يوجد
جوع! لن يُدان أحد أو يُعاقب بسببه. التجويع في غزة مؤامرة "معادية
للسامية" — وإن وُجد جوع فليُسأل عنه حماس. هذا ما يحدث عندما تنفد كل
الذرائع والحكايات. هذا ما يحدث عندما ينحدر المرء أخلاقيًا إلى حد أن ينكر
المجاعة رغم مشاهد الجياع التي تُعرض أمامه. على أي أساس؟ وبأي حق؟
الإنكار
الإسرائيلي له 50 ظلًا، وجميعها بنفس القبح. تتراوح بين التغاضي، وتدوير العينين
(استهزاءً)، والتعتيم والإخفاء، وحتى الكذب الذاتي. وكلها تهدف لهدف واحد: التهرب
من المسؤولية، الاستمرار في تقمص دور الضحية، وترديد أغاني "كم نحن
طيبون". المنكرون يأتون من جميع شرائح المجتمع. بدءًا من أربعة باحثين
إسرائيليين كتبوا مقالاً بعنوان "الإبادة الجماعية في حرب السيوف
الحديدية"، وكشف عريهم كل من دانييل بلتمان ونير حسون (في "هآرتس"،
25.7)، مروراً بقسم الصحف في "يسرائيل هيوم"، الذي قال لي أول أمس بثقة
إن كل صور الجوع مأخوذة "من اليمن أو مولدة بالذكاء الاصطناعي"، ووصولاً
إلى موريا أسرَف، التي لم تعد تضع خريطة "أرض إسرائيل الكبرى" على
صدرها، والتي أسكتت بازدراء المذيعة إيمانويل إلباز-فلپس، وإلى جميع محرري
التلفزيون الذين يتجاهلون غزة تمامًا.
الإنكار
يرافق إسرائيل منذ النكبة الأولى، التي "لم تكن ولم تحدث" إلا في خيال
أعداء إسرائيل، واستمر طوال سنوات الاحتلال والأبارتهايد. لا توجد دولة في العالم
تعيش في حالة إنكار ذاتي كما تفعل إسرائيل، وكثير من اللوم يقع على "الإعلام
الحر". لكن ما يحدث في الأسابيع الأخيرة يسجل مستويات جديدة من الانحطاط. لا
يوجد جوع في غزة. هناك شاحنات تنتظر، آباء الأطفال الذين يحتضرون
"سمينون"، وهناك فيديو لمقاتلي حماس يأكلون الموز في الأنفاق (صُوّر قبل
نصف عام وتم نشره الآن من قبل كبير دعاة الكذب في الدولة — الناطق باسم الجيش).
وهناك ما هو أكثر خسة من الهروب من المسؤولية: إهانة الضحية. إهانة الطفل الذي
يحتضر بين ذراعي أمه التي تحمل هيكله العظمي وتبكي. أن تقول لها إنه لا يوجد تجويع
يعني أن تزدري ألمها.
لسنوات،
كنت أعتقد أنه حتى لو عرضنا على الإسرائيليين كل صور الرعب، سينكرونها. والآن جاء
الدليل. صور التجويع تغمر الشاشات والصحف في العالم، والإسرائيليون ينكرون. وبثقة
عجيبة يؤكدون أنها كاذبة؛ لا يوجد جوعى، هناك موز؛ هناك 80 شاحنة تمر يوميًا.
هكذا تمامًا تصرف البروفيسور روبير فوريسون من جامعة ليون،
الذي ادعى أنه بحسب حجم غرف الغاز، لم تحدث المحرقة.