في ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك


م. عبدالله
غوشة
في الحادي والعشرين من آب
عام 1969، استيقظت الأمة العربية والإسلامية على جريمة بشعة ارتكبها الاحتلال
الإسرائيلي، حين أضرمت النار في المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث
الحرمين الشريفين ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يكن ذلك الفعل الإجرامي حدثًا معزولًا، بل جاء في إطار سلسلة من السياسات
والممارسات الممنهجة منذ عام 1948 وحتى اليوم، بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية
والعربية للقدس الشريف.
لقد أسس حريق الأقصى لكل ما تلاه من جرائم وانتهاكات، أبرزها الاقتحامات
الممنهجة التي تطورت كماً ونوعًا في السنوات الأخيرة، والحفريات الخطيرة تحت
المسجد وفي محيطه، ومحاولات تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وصولًا إلى الاقتحامات
العنصرية الغوغائية التي تقوم بها جماعات وأحزاب يهودية متطرفة، بدعم مباشر من
الحكومات اليمينية المتعاقبة وجيش الاحتلال بملابسه العسكرية.
وفي خضم هذه التحديات، يزداد ارتباط الأردنيين بالقدس وبالأقصى، الذي هو جزء
من إيمانهم وعقيدتهم، فهم يرونه أمانة في أعناقهم لا تنازل عن ذرة تراب منه.
ارتباط يترجم عملًا في مسيرة الإعمار الهاشمي للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة
المشرفة، والتي شكّلت صرحًا من صروح الثبات والصمود في وجه محاولات الطمس والتزييف.
وأعتز هنا أن أستحضر ذكرى جدي سماحة الشيخ عبدالله غوشة رحمه الله، الذي
تشرف برئاسة لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، حيث ساهم مع نخبة من
رجالات الأردن في إعادة إعمار هذا الصرح العظيم، في عهدٍ رسّخ فيه الهاشميون
مسؤوليتهم التاريخية والدينية تجاه القدس.
ذلك الدور لم يكن شخصيًا بقدر ما كان تعبيرًا عن الموقف الأردني الأصيل: أن
القدس أولوية، وأن الدفاع عنها واجب.
واليوم، يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين هذه المسيرة المباركة،
مؤكدًا في كل المنابر الدولية والإقليمية أن "القدس خط أحمر، والمساس
بمقدساتها الإسلامية والمسيحية مرفوض رفضًا قاطعًا."
كما شدّد جلالته مرارًا أن الأردن، بحكم الوصاية الهاشمية، سيبقى في مواجهة
كل محاولات تهويد القدس، وسيستمر في الدفاع عن هويتها العربية والإسلامية
والمسيحية، وحماية مقدساتها مهما كانت التضحيات.
إن هذه المواقف الصريحة لجلالة الملك، في مواجهة المشاريع الإسرائيلية، تمثل
دفاعًا عن كرامة الأمة كلها، وتحمل رسالة واضحة للعالم أجمع بأن الأردن لم ولن
يتخلى عن مسؤوليته التاريخية في حماية القدس والمقدسات.
وفي هذه الذكرى، فإننا في الأردن نؤكد أن الدفاع عن الأقصى واجب ديني ووطني
وقومي، وأن الأمة مطالبة بأن تتحمل مسؤولياتها تجاه القدس والأقصى المبارك، وأن
تتدارك الموقف قبل فوات الأوان، وأن تدرك أن المعركة ليست معركة الفلسطينيين
وحدهم، بل معركة أمة كاملة.
سيبقى الأردنيون أوفياء للأقصى، متمسكين به، مدافعين عنه، عامرين له، حاملين
الرسالة جيلاً بعد جيل، حتى يأتي وعد الله بالنصر والتحرير.
رحم الله شهداء فلسطين، وحمى الله الأردن والقدس من كل سوء، وسيبقى الأقصى
عنوانًا للهوية والكرامة، لا يقبل المساومة ولا التفريط.
·
نقيب المهندسين الاردنيين