شريط الأخبار
أمانة عمّان تبدأ تطبيق الخصومات الجديدة على "المسقفات" هل كان المسيح يهوديًا؟ مقاربة علمانية– تاريخية لتفكيك الادعاء العِرقي الصهيوني (دراسة تحليلية) وعود بضخ مليارات الدولارات السعودية لسورية.. وتوجه لإنشاء سكة حديد بين البلدين عبر الأردن موسم زيتون مجبول بالدم الفلسطيني والارهاب الاسرائيلي في الضفة عباس: مصر والأردن أفشلتا مخطط التهجير.. والدولة الفلسطينية ستقوم خلال خمس سنوات اعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لفتح جبهة جديدة في العراق العيسوي يرعى انطلاق مبادرة "شاشة أمل" الإنسانية للأطفال المرضى والأيتام واللاجئين مايكروسوفت: الأردن الثالث عربيا و29 عالميا في مؤشر انتشار الذكاء الاصطناعي وفاة شخصين واصابة اثنين اخرين إثر محاصرتهم داخل بئر مياه في إربد عاجل. خفض طفيف على سعر البنزين بنوعيه وتثبيت سعر الديزل والكاز زين تستضيف انطلاقة مسيرة "سيدات هارلي" لدعم مصابات السرطان من غزة عاجل. نقص خطير بأدوية السرطان بالمستشفيات الحكومية.. والمريض مطالب بشرائها من بنغلادش والهند محلل روسي: فشل لقاء ترامب وشي جين بينغ كان متوقعا.. الحرب الكبرى باتت وشيكة تسعيرة طريق العمري الحرانة: 85 قرشا للمركبات و2.5 دينار للشاحنات عاجل. الأمن يطيح بطاعن طليقته باربد الولايات المتحدة تدفع نحو خطة نهائية لتشكيل قوة أمنية دولية في غزة زيارة اردني "مزعوم" لحائط البراق بالاقصى: مديح صهيوني وتنديد شعبي اردني واسع.. وتبرؤ عائلته منه فيديو "سي إن إن": إيران تكثف اعادة بناء برنامجها للصواريخ الباليستية بدعم صيني تجار "الحرة" يحذرون من خسائرهم.. ويطالبون بتمديد مهلة التخليص على المركبات كلب ضال يعقر أبا دافع عن طفله في الزرقاء

هل كان المسيح يهوديًا؟ مقاربة علمانية– تاريخية لتفكيك الادعاء العِرقي الصهيوني (دراسة تحليلية)

هل كان المسيح يهوديًا؟ مقاربة علمانية– تاريخية لتفكيك الادعاء العِرقي الصهيوني (دراسة تحليلية)


 


 

د. طارق سامي خوري

هذه دراسة تحليلية لا تهدف إلى نقاش عقائدي، بل إلى تفكيك سردية عِرقية معاصرة، وتحرير الوعي من أسطرة الأصل والنَّسب.

 

تُعَدّ مسألة "يهودية” المسيح إحدى أكثر القضايا التي تعرّضت للاستثمار السياسي في العصر الحديث، وخصوصًا مع صعود الحركة الصهيونية التي سعت إلى إعادة هندسة التاريخ وإعادة تدويره بوصفه مخزونًا للشرعية. غير أنّ البحث الأكاديمي في تاريخ الأديان، واللغة، والأنثروبولوجيا الثقافية، يكشف أنّ هذه النسبة ليست سوى إسقاط أيديولوجي متأخّر، لا يستند إلى صلابة تاريخية.

 

أولًا: مفهوم "يهودي” قبل تشكّله القومي

 

في القرن الأول الميلادي، كان مصطلح "يهودي” يشير غالبًا إلى الانتماء إلى شريعة التوراة، أو الإقامة في إقليم يهودا، أو الخضوع لنظام تشريعي كهنوتي معيّن. ولم يكن يحمل أي معنى عِرقي–قومي مستقل. يشير المؤرخ أسد رستم إلى أنّ الوعي القومي–العرقي الحديث تشكّل بعد قرون من ظهور المسيحية، ما يجعل إسقاطه على المسيح خطأً معرفيًا.

 

ثانيًا: البيئة السريانية–الآرامية في بلاد الشام

 

تؤكد المصادر التاريخية أنّ البيئة الثقافية في فلسطين والجليل في القرن الأول كانت آرامية–سريانية بطبيعتها، وأنّ اللغة اليومية للمسيح كانت الآرامية، المنحدرة من اللغات الشرق–أدنية القديمة المنتشرة في بلاد الشام. يشير إرنست رينان في "حياة يسوع” إلى أنّ المسيحية نشأت داخل وسط مشرقي–سوري، لا داخل قومية توراتية متخيّلة.

 

ويفيد المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأنّ منطقة الجليل خضعت لعملية تهويد سياسي في عهد يوحنا هركانوس قبل ولادة المسيح بأقل من قرن، إلا أنّ هذا التهويد بقي سطحيًا وشكليًا، ولم ينجح في صهر السكان ثقافيًا. وقد تجلّى ذلك في العبارة الشهيرة: "هل من الناصرة يخرج شيء صالح؟” التي تُظهر ازدراء يهود يهودا لسكان الجليل واعتبارهم أقل "نقاءً” من منظور كهنوتي. كما أنّ معظم تلامذة المسيح كانوا من الجليل باستثناء يهوذا الإسخريوطي، ما يعزّز الطابع المشرقي–السوري للنواة الرسالية الأولى.

 

وقد تبلورت المراكز اللاهوتية الأولى في أنطاكية والرها، وهما مدينتان سريانيتان أثرتا بعمق في التفسير والطقس واللاهوت. ويؤكد الأب سهيل قاشا أنّ المسيحية الأولى "ابنة اللغة والطقس السريانيين”.

 

ثالثًا: تحليل النَسَب وفق النصوص

 

تورد الأناجيل، كما القرآن الكريم، بوضوح أنّ حمل مريم كان من الروح القدس، أي من الروح الإلهية، لا من أب بشري. وبالتالي فإنّ أي محاولة لإسناد نسب بيولوجي إلى داود أو غيره تتعارض مع بنية النص نفسه. وتزداد المفارقة حين يُلاحظ أنّ السيد المسيح رفض صراحةً النَّسَب الداودي كما يورد كلٌّ من متى ولوقا، وهو ما يقطع الطريق على التوظيف العِرقي–الأسري.

 

رابعًا: أسباب الرفض اليهودي للمسيح

 

رفض اليهودُ المسيح لأنه ناقض تصوّرهم السياسي–النبوئي للمسيح المنتظر كما تطرحه التقاليد التوراتية، إذ تتحدّث النبوءة عن قائد قومي يعيد المُلك لبيت داود ويقضي على "الأمم”. أما المسيح فحمل رسالة سلام كونية لا امتيازًا عِرقيًا، واصطدمت تعاليمه بمنظومة قبلية قائمة على مفهوم "الشعب المختار”، وفكرة الإله الحصري لجماعة واحدة، والاستعلاء على بقية الشعوب، والأخلاق المنحصرة في القبيلة، إضافة إلى تبرير العنف والإبادة في نصوص معيّنة. هذه المنظومة جعلت تعاليمه تهديدًا مباشرًا لبنية الامتياز.

 

خامسًا: تحريف العهد القديم والتدوين المتأخر

 

ينبّه البحث الكتابي الحديث إلى أنّ كثيرًا من أسفار العهد القديم خضع للتدوين في المنفى البابلي وفي العهد الفارسي وفي سياقات سياسية لاحقة، وهو ما يفتح الباب أمام فرضيات الإضافة والتحوير. وهذا ما يفسّر التناقضات السلالية التي انتقدها المسيح بنفسه. القرآن الكريم بدوره يفكك الأسطورة الأساسية بقوله: "ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا”، قاطعًا بذلك الادعاء الجيني المتسلسل.

 

سادسًا: موقف التلمود وأدلجة العِرق

 

لا يكتفي التراث التلمودي بإنكار قدسية المسيح، بل ينتقل إلى مستوى غير مسبوق من التشويه الأخلاقي، فيقول: "إنّ يسوع الناصري موجود في لجّان الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وإنّ أمّه مريم أتت به من العسكري باندرا بمباشرة الزنا.” هذه العبارة تعبّر عن حقد بنيوي داخل الذهنية التلمودية تجاه المسيح وأمّه.

 

ويقرّر المطران جورج خضر أن هذا العداء يعود إلى كون المسيح "كسر القوقعة القبلية اليهودية وفتّت قوميتها بدعوته إلى ديانة إنسانية لا وزن فيها للعرق أو الدم.” وقد أشارت المصادر المسيحية والرومانية إلى المسؤولية اليهودية المباشرة في تأليب السلطة على المسيح والتحريض على صلبه، وفي النهاية صلبه بالفعل (حسب الإيمان المسيحي). والمطالبة الجماعية بـ"ليُصلب! ليُصلب!” تعكس عداءً وجوديًا لا مجرد اختلاف فقهي. ولذلك تظهر في النصوص الإنجيلية توصيفات قاسية مثل قتلة الأنبياء وأولاد الأفاعي وأبُوكم إبليس، وهي تشير إلى عنف مبدئي في العلاقة بين الطرفين.

 

سابعًا: المسيح ابن الله بالروح

 

من منظور علماني–لاهوتي، تُفهم هذه العبارة بوصفها توصيفًا رساليًا–رمزيًا لا علاقة له بالنسب البيولوجي ولا بالتكاثر العِرقي.

 

ثامنًا: المشروع الصهيوني وإعادة بناء الذاكرة

 

ظهرت محاولة "تهويد المسيح” بوضوح في العصر الحديث، لا في القرون الأولى. وقد جرى ذلك تحت مرجعية سياسية تسعى لاحتكار الجغرافيا واحتكار السردية الروحية وصناعة شرعية استيطانية. وهذا ما وصفه نجيب عازوري بأنه "إسقاط سياسي على زمن لم يكن فيه وعي قومي–يهودي.”

 

تاسعًا: المسيحية كامتداد حضاري مشرقي

 

يرى فراس السواح أنّ المسيحية امتداد روحي للتراث الحضاري الكنعاني–السوري، وأنّ قراءتها داخل الإطار التوراتي "تقزيم ثقافي”. وتشير الدراسات إلى أنّ الطقوس والألحان واللغة في جذورها سورية–سريانية.

 

عاشرًا: الجغرافيا شاهدة

 

كلّ محطات حياة المسيح، من بيت لحم والناصرة وصور وصيدا إلى الجليل وأورشليم، هي مدن سورية–كنعانية في تعريف الجغرافيا القديمة لبلاد الشام. ولم يكن في الوعي القديم ما يُسمّى "دولة يهودية قومية”.

 

خلاصة أكاديمية

 

لم يكن مصطلح "يهودي” قوميًا في زمن المسيح.

المسيحية نشأت داخل بيئة آرامية–سريانية مشرقيّة.

نصوص العهد الجديد تنفي النَّسَب الداودي.

موقف المسيح من المؤسسة اليهودية عدائي لاهوتيًا وحضاريًا.

التلمود يشوّه المسيح وأمّه، ما ينفي "الانتماء”.

الخطاب العِرقي الصهيوني حديث، لا جذور له في القرن الأول. المسيح ابن الله بالروح، لا بالدم والسلالة.

 

وعليه، فإنّ نسبة المسيح إلى "عرق يهودي” ليست سوى قراءة أيديولوجية متأخرة تهدف إلى الاستحواذ على رمز مشرقي عالمي وتحويله إلى مادة شرعية لمشروع سياسي معاصر.

 

المسيح ظاهرة مشرقيّة–سورية، آرامية الجذر، سريانية الروح، إنسانية الرسالة.