لا تودِّعوها أبدًا...


بقلم / سوسن الحلبي
في أوج التهديدات التي
لم تتوقف... رفض أحمد طافش، البطل الكفيف، أن يترك أرضه وداره... ضاربًا بكل مزاعم
عدوهِ عرض الحائط... لم يستطع أحمد أن يودع طفولته وذكرياته... فقد كان قلبه
متعلقًا بذاك الثرى... ببقايا الأبنية المهدَّمة في حيّه العتيق...
خرج يمشي بين البيوت
ببصيرةٍ تفوق ما يراه الملايين... يناشدُ: يا أهلي وصحبتي لا ترحلوا... لا
تودِّعوا ما بقي لكم من أحلام...
هنا ولدتم... وعلى هذه
الأرض، كبرتم وتربيتم... وفيها، لا بُدِّ تُدفنوا...
احتضنوا البيوت بكلّ ما
في صدوركم من قوةٍ وحنين... فلا أحد يستطيع إيقاف تلك العاطفة المتدفقة في عروقكم...
واعلموا، كما أعلم
جيدًا، أني إن خرجتُ... فلن أحظى بالعودة إلى دياري من جديد... مَثَلي كمَثل سائر
من مضوا في الطريق قبلنا... ليس الآن فحسب... بل منذ عشرات السنين...
لكن، إذا ما بقيتُ ها
هنا... واستشهدتُ على ترابها... فستختلط دمائي وعظامي بثرى هذه الأرض، التي لم
أنفكُّ أُحبّها يومًا... وسأكون رفيقًا لكلّ من نال شرف الشهادة عليها، إلى يوم
يُبعثون...
اقصفونا بالقذائف...
دمرونا بتلك الصواريخ... أطلقوا صوبنا كلّ ما في جُعبكم من أسلحة... فلربما
استطعتم تدمير كلّ ما نما على هذه الأرض... أما الجذور، فستبقى راسخةً في
التراب... وستعود لتنبت من جديد، مهما طال عليها الزمان...
فذروني أبقى بين
أزقّتها... وارحلوا إن كنتم فاعلين... فأنا لم أُخلق لأُفارقها... في الموت كان أو
في الحياة...
لم يتأنَّ العدو في
إجرامهِ، كدأبهِ منذ بدء الاحتلال... فضرب الحيّ بكلِّ ما أُوتي من ظلم...
ليُدمِّر كلّ ما فيه... ويُنهي حكاية رجالٍ تشبَّثوا بالحقِّ حتى النهاية...
تاركًا أصداء صوتهم تُسافر في المكان... تُنادي أجيالًا تجيب نداءهم بعد حين...