خِطاب وزير خارجيتنا .. يُمَثِّلنا


عوض ضيف الله الملاحمة
في خطاب غير مسبوق بلهجته
، وحدته ، ووضوحة ، وإنتقاء مفرداته ، وتوصيفه لأفعال لعدو ، ألقى وزير
الخارجية الأردني السيد / أيمن الصفدي خطاباً أثناء جلسة مجلس الأمن ، التي تم
عقدها بعد الضربة الصهيونية لدولة قطر الشقيقة . لقد كان خطاباً حاداً في لهجته ،
مُعبراً في المفردات المنتقاة عن غطرسة ، وتجبُّر هذا الكيان الإحتلالي ، الإحلالي
، المتغطرس ، المُنفلت.
بصدقٍ ، وصراحة تامة ،
لم أُلقِ بالاً ، ولا إهتماماً للخطاب في اليوم الذي أُلقي فيه . لأنني سئمت
كما غيري من الأردنيين والعرب ، من إنتقاء مفردات ( ممجوجة ) مكررة ، منتقاة ،
تُدلل على الضعف ، والإستسلام ، والإستكانة . تعودنا على كلمات مُرتجفة ، ضعيفة ،
ركيكة ، تصطك أسنان من يُلقيها خوفاً ، وفزعاً ، ورعباً ، مُستجدياً العدو ومن
وآلاه المسامحة ، والتماس العذر ، للإضطرار للحديث بتلك اللهجة لانه تمت صياغتها
لتتماشى مع الشحن الشعبي ، مع أنها لا تلامس نبض الشارع مطلقاً ، ومداراة العدو
فاقعة في مفرداتها.
يسعدني ان أسرد بعض
الفقرات من الخطاب للتأمل ، كما يلي :— [[ الزملاء الأعزاء ، حكومة مارقة ، ملطخة
بدماء الأبرياء ، مجبولة على التطرف والكراهية ، لا تكترث بقانون دولي ، ولا ترتدع
بقيمة إنسانية ، ترى نفسها فوق القانون ، وتعتمد البطش لفرض عقائدية عنصرية ،
وتحقيق أهداف توسعية ، تهدد السلم والأمن في المنطقة والعالم .
هذه هي حقيقة الحكومة
الإسرائيلية ، التي آن للمجتمع الدولي ان يتحرك فوراً وبفاعلية للجم غطرستها ،
وحماية المنطقة كلها من كارثية أفعالها.
خلال الأشهر الثلاثة
والعشرين الماضية قتلت اسرائيل اكثر من ( ٦٥,٠٠٠ ) فلسطيني في غزة ، وزهقت حيوات (
٥٤٠ ) من عاملي الإغاثة الإنسانية ، و ( ٢٤٧ ) صحفياً .
إستخدمت التجويع سلاحاً
، فارتقى نتيجة المجاعة التي صنعتها في غزة ( ٤١١ ) فلسطينياً ، بينهم
( ١٤٢ ) طفلاً .
جعلت اسرائيل غزة أرض
موت للإنسان والقيم الإنسانية . صار القتل والموت مادة ترويجية لجنود الإحتلال .
وبات قتل اكثر من ( ١٠٠ ) فلسطيني يومياً حدثاً عادياً لا يُتوقف عنده .
ولا تترك هذه الحكومة
وسيلة إلا واستخدمتها لزيادة التصعيد ، وتفجير العنف ، وتعميق الصراع ، والدفع نحو
الفوضى.
تستمر في الإبادة
الجماعية في قطاع غزة ، حيث يواجه اكثر من مليون فلسطيني في غزة المدينة الموت
جوعاً ، او قتلاً ، او التهجير الى مخيمات دمرت اسرائيل حيوات من أجبرتهم
على النزوح اليها . مخيمات في أرض أحالتها اسرائيل يباباً ، لا تمتلك أدنى مقومات
إدامة الحياة ، وتمنع اسرائيل عنها المساعدات الإنسانية والطبية ، وتمنع دخول
الخبز والماء وحليب الأطفال.
وتوسع اسرائيل
مستوطناتها اللا شرعية في الضفة الغربية المحتلة ، وتحمي إرهاب المستوطنين الذين
يشنون ما معدله ( ٤ ) هجمات ارهابية يومياً على الفلسطينيين ، وتصادر المزيد من
الأراضي الفلسطينية ….
وفي خرق فاضح آخر
للقانون الدولي ، وتصعيد خطير ، تنتهك إسرائيل سيادة دولة (( قطر )) الشقيقة .
وتشن على عاصمتها الدوحة هجوماً جباناً . في تجسيد فَجّ للغدر بدولة لم تنفك تعمل
بلا إنقطاع بشراكة مع مصر وامريكا للتوصل لإتفاق تبادل يحقق وقفاً دائماً لإطلاق
النار ، وينهي المعاناة ، ويفتح الباب امام العودة للدبلوماسية لتحقيق السلام
والأمن للجميع.
ندين هذا العدوان
الغاشم على قطر ، ويقف الأردن مع قطر بالمطلق في كل ما تتخذه من خطوات لحماية أمنها
وسيادتها وسلامة مواطنيها.
فأمننا وأمن قطر واحد
واستقرار قطر واستقرار المنطقة واحد ، ورؤيتنا مشتركة ، وخيار قطر وخيارنا واضح
بيّن.
تكذب الحكومة
الإسرائيلية ومتطرفوها في كل ما يسوقون من مزاعم لتبرير غدرهم بقطر ، بعد كل ما
بذلته من جهود لإنجاز اتفاق تبادل وإنهاء الحرب .
يحمل مجلسكم الكريم
مسؤولية حماية الأمن والسلم ، ويملك أدوات ذلك . إستخدموا هذه الأدوات . طبقوا
القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة ، اللذين يشكلان أساس شرعيتكم .
استخدموا هذه الأدوات
لفرض قبول اتفاق التبادل ، لإنهاء المجاعة ، لفرض إدخال المساعدات الإنسانية ،
لحماية ما تبقى من صدقية للقانون الدولي ، والقانون الدولي الإنساني، لإعادة
الإيمان بأن القيم الإنسانية والقانون الدولي وُجِدِوا ليُطبَّقوا من دون تمييز او
إنتقائية ، لتأكيد ان لا حصانة لِمُعتدٍ ، وان لا دولة فوق القانون .. الخ ]] .
إنتهى الإقتباس لجزءٍ من الخطاب.
أعتبر هذا الخطاب
خطاباً موفقاً ، تماشى مع نبض الشارع الأردني ، وتجاوز كافة الخطوط الحمراء التي
تقيد بها وزراء الخارجية في الأردن منذ عقود طويلة . كانت لهجة الخطاب غير مسبوقة
، وتميزت لهجته بالحدة ، والشدة ، وتجاوز ، بل قفز على الحذر الزائد ، وإبتعد عن
العُرف الدبلوماسي المعهود لخطابات وزراء الخارجية العرب بعامتهم ، ووزراء
الخارجية الأردنيين خاصة.
بالطبع ، وزير الخارجية
لا يقدح من رأسه ، ولا من بنات افكاره ، ولا يعتبر انه تمرد وتجاوز مستوى خطابات
وزراء الخارجية الأردنيين منذ سبعة عقود . بالتأكيد المطلق هو لم يقدح من رأسه ولم
يتجاوز الخطوط المرسومة له والتي يستحيل عليه تجاوزها . كما انه لم يشرب حليب سباع
، ويتنطع ، ويتصدر ويلقى خطاباً بهذا التوصيف الدقيق الصحيح للعدو الصهيوني . كما
انه لم يستند الى تفويض من الحكومة الأردنية مطلقاً . وزير الخارجية تم شحنه ، و(
تكويكه ) ، وشرب حليب السباع بتفويض من ملك البلاد مباشرة . وكلنا يعرف ان وزير
الخارجية في الأردن يرتبط بشخص الملك مباشرة ودون تدخلٍ من أي طرف رسمي آخر ، لأن
ملف الشؤون الخارجية حصراً مرتبط بتوجيهات ملك البلاد شخصياً .
أُحيي وزير خارجيتنا
على دقة ، وحدة توصيفه للعدوان الصهيوني على فلسطين عامة وغزة خاصة . كما أشكره
على عمق توصيفه للعدوان الصهيوني على دولة قطر الشقيقة . وهذا ليس مستغرباً من
الأردن الذي لم يخذل يوماً اي قُطرٍ عربي إحتاج الى المساندة ، والمساعدة ، والدعم
حتى لو بتقديم الدماء والأرواح.
وزير خارجيتنا ، شكراً
على خطابك لقد كان ( بِفِشْ الغُلّْ ) . وزير خارجيتنا ، لقد كان خطابك جماهيرياً
، شعبياً ، وطنياً ، قومياً بإمتياز . وزير خارجيتنا لقد مَثّْلْتَنَا .