القرصنة ترتد على رأس الكيان: اسطول الصمود هو من حاصر الاحتلال وفضح روايته


وائل المنسي
في واحدة من أكثر اللحظات درامية منذ سنوات في المشهد
الفلسطيني والدولي، تحوّل أسطول الحرية/الصمود المتجه إلى غزة إلى حدث سياسي
وإنساني مفصلي، ليس فقط بسبب جريمة القرصنة الإسرائيلية التي استهدفته، بل أيضاً
نتيجة التداعيات الواسعة التي فجّرها في العواصم الأوروبية والعالمية.
فقد أعلنت اللجنة
الإعلامية للأسطول أن قوات الاحتلال سيطرت على القارب ألما والسفينة سيروس واعتقلت
النشطاء على متنهما، في مشهد أعاد إلى الأذهان الهجوم الدموي على أسطول الحرية عام
2010، لكنه هذه المرة جاء في ظرف دولي وإقليمي مختلف، مشبع بالاحتقان الشعبي
والتوترات السياسية.
رغم الحصار العسكري الإسرائيلي ومحاولة فرض الصمت بالقوة، إلا
أن الحقيقة بدت أكثر وضوحاً: الأسطول هو من حاصر الاحتلال أخلاقياً وسياسياً،
بعدما أصبحت عيون العالم بأسره شاخصة نحو البحر الأبيض المتوسط. الصورة التي حاول
جيش الاحتلال تصديرها لم تعد مقنعة، فبدلاً من إخضاع النشطاء، بدا أن الاحتلال هو
من يزداد عزلة ويغرق أكثر في مأزقه.
على الأرض، اندلعت موجة احتجاجات عالمية واسعة غير مسبوقة.
عشرات الآلاف خرجوا إلى
الشوارع في تركيا دعماً للأسطول وغزة، فيما شهدت إيطاليا لحظة فارقة بإعلان
الاتحاد العام للعمل عن إضراب عام، رافقته دعوات حاشدة في روما لاستقالة رئيسة
الوزراء جورجيا ميلوني.
مراقبون رأوا أن الشارع الإيطالي الغاضب قد يطيح بالحكومة أو
يضعف قبضتها مع اقتراب الانتخابات المحلية المقبلة، خاصة في ظل الانقسام داخل
اليسار والمعارضة.
وفي ألمانيا، احتشدت
تظاهرة ضخمة أمام محطة القطارات المركزية في برلين، تنديداً بالعدوان على الأسطول
وبالحصار المفروض على غزة.
هذه الاحتجاجات مرشحة للتصاعد لتتحول إلى انتفاضة أوروبية
بوجه السياسات الغربية المتواطئة مع الاحتلال، حيث بدأت النقابات العمالية
والاتحادات المهنية بالتحرك، ما ينذر بشلل واسع في الخدمات والمرافق الحيوية في
بعض الدول الأوروبية إذا استمرت موجة الإضرابات.
وبذلك، فإن الاعتداء الإسرائيلي لم يحقق أي "ردع"
أو "ردع معنوي"، بل أطلق سلسلة من ردود الأفعال التي تهدد بتغيير المزاج
السياسي والشعبي في أوروبا والعالم تجاه القضية الفلسطينية.
إن الهجوم على أسطول الصمود شكّل نقطة انعطاف استراتيجية: من
جهة، رسّخ صورة الاحتلال كقوة قرصنة خارجة عن القانون الدولي، ومن جهة أخرى أيقظ
وجدان الشعوب التي بدأت تعبّر عن غضبها بشكل منظم وفاعل.
ومع كل يوم يمر، تتضح
أكثر معالم أن الاحتلال لم يحاصر سفناً في عرض البحر فقط، بل حاصر نفسه أمام موجة
تضامن عالمية متنامية قد تمتد آثارها إلى إسقاط حكومات أو إعادة تشكيل الخريطة
السياسية الأوروبية.