شريط الأخبار
الكيان ينزف بشريا وتقنيا: محاولة إسرائيلية لوقف تزايد الهجرة عبر الحوافز الاقتصادية توقف خدمة 'كليك' كليا في الأردن لمدة 8 ساعات لغايات التحديث مجلس منظمات حقوق الإنسان: ارهاب المستوطنين أداة للهندسة العرقية بالمناطق المحتلة وفاة حدثين غرقا في بركة زراعية بالمفرق العيسوي: الأردن بقيادته الهاشمية وشعبه وجيشه صامد بوجه التحديات ومسيرته نُسجت بعرق الجنود ودماء الشهداء الملك وإمبراطور اليابان يؤكدان متانة العلاقات الثنائية المؤتمر الوطني الثاني للأمن الدوائي يوصي بإنشاء مصنع للمواد الخام ومنصة وطنية للبيانات الصحية أمانة عمان تتيح الاعتراض على أخطاء مخالفات السير "العمل" و"تجارة الاردن": تفاهم يسمح باستقدام عمالة اجنبية للقطاع التجاري مقابل تشغيل أردنيين ما الذي يطبخ لسورية: قاعدة امريكية قرب دمشق ومنطقة حكم ذاتي درزية… وأخرى منزوعة السلاح حول الجولان للمرة الثالثة على التوالي.. اغلاق معصرة زيتون باربد تغش بمنتجاتها عشرات عمال "العطارات" يعتصمون احتجاجا على فصلهم واستبدالهم بعمالة هندية الملك يبحث في طوكيو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الأردن واليابان الملك يلتقي رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) استقالة مدير عام "بي بي سي" ورئيسة الأخبار لاتهامها بانحياز "منهجي وخطير" وثائق داخلية تكشف: "ميتا" حققت 16 مليار دولار من إعلانات تروّج للاحتيال ومنتجات محظورة فريق الوحدات يتأهل لربع النهائي ببطولة كأس الأردن مذكرة تفاهم تهدف إلى تقديم تسهيلات لترخيص الأبنية القائمة في المحافظات خلال لقائه وفدًا من كلية دي لاسال الفرير "اتحرك": نمو فرص العمل الصناعية يؤكد أثر المقاطعة الإيجابي بدعم الإقتصاد الوطني

ماذا بعد خطاب العرش؟

ماذا بعد خطاب العرش؟


*بقلم: النائب علي سليمان الغزاوي*

 

خطاب العرش السامي الذي افتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، كان بمثابة محطة وعي واشتباك إيجابي مع الزمن الوطني، وضع أمام الدولة ومؤسساتها مرآة حقيقية للمساءلة والاتجاه. فالمضامين التي حملها الخطاب تتجاوز السرد إلى الفعل، وتتعدى التحفيز إلى التكليف، إذ أعلن جلالته بوضوح أن "زمن التردد انتهى، وأن الأردن لا يملك رفاهية الوقت ولا مساحة للتراخي".

 

هذا التوصيف الملكي الدقيق يختصر فلسفة مرحلة كاملة من التفكير السياسي الأردني، الذي لم يعد يقبل الانتظار أو التباطؤ، لأن التحديات لا تنتظر، والفرص حين تضيع لا تعود. لذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه على النخب، قبل سواها، هو: ماذا بعد خطاب العرش؟

 

السؤال في جوهره ليس عن مضمون ما قيل، بل عن إرادة ما يجب أن يُفعل. فالكلمات الملكية وضعت خريطة الطريق، لكن عبور الجسر نحو المستقبل مرهون بمدى قدرة الدولة على ترجمة الرؤية إلى منجز، والمنجز إلى ثقة، والثقة إلى استقرار مستدام.

 

حين يُعيد جلالة الملك تعريف وظيفة الخطاب الملكي، فإنه يحوّل النص من منصة افتتاحية إلى وثيقة إلزامية ذات بُعد استراتيجي. فهو خطاب يعلن عن مرحلة تنفيذ، لا عن موسم احتفال. وبهذا المعنى، فإن كل مؤسسة، وكل مسؤول، بات معنيا بأن يقرأ الخطاب بعيون المستقبل لا بعين القراءة التقليدية.

 

فالكلمة في فلسفة الملك هي فعل، والموقف التوجيهي هو أمر مباشر بالعمل، وليس تذكيرا بالمبادئ. لذلك فإن خطاب العرش جاء ليقيس النبض المؤسسي للدولة، ويختبر جدية المؤسسات في الانتقال من مربع التفكير إلى مربع التنفيذ.

 

فحين يقول جلالته: "لا نملك رفاهية الوقت”، فهو لا يُطلق استعارة بل يعلن إنذارا مبكرا. فالوقت اليوم هو رأس مال الدول التي تنجح، والبطء في التنفيذ أصبح نوعا من الفشل المقنّع.

 

الأردن اليوم في لحظة اختبار حقيقية: اختبار الكفاءة، والقدرة، والجرأة على اتخاذ القرار. فالتحدي لم يعد في وضع الخطط، بل في تحويلها إلى واقع ملموس يقيسه المواطن في مستوى الخدمات، والتعليم، والصحة، والنقل، وسوق العمل وغيرها.

 

الخطاب الملكي أعاد التذكير بأن الإصلاح لم يعد مشروعا مؤجلا، بل ضرورة وجودية، وأن التحديث الشامل، بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية، هو مسار مصيري لا يحتمل العودة إلى الوراء.

 

لقد وجّه جلالته في خطابه رسالة دقيقة إلى مجلس الأمة، بأن المرحلة المقبلة للتشريع الرشيد. فالإرادة الملكية أرادت أن يكون البرلمان فاعلا لا مراقبا فقط، ومبادرا.

 

ولذلك، فإن مجلس الأمة اليوم أمام مسؤولية مضاعفة: أن يُعيد الاعتبار للعمل الحزبي البرامجي بوصفه بوابة للإصلاح السياسي الحقيقي، وأن يُحوّل التشريع من أداة لإدارة الواقع إلى أداة لتغييره.

 

كما أن المطلوب من النخب البرلمانية أن تخرج من دائرة المواقف التكتيكية إلى فضاء التفكير الاستراتيجي، وأن تدرك أن المعارضة الوطنية ليست خصومة، بل صمام توازن، وأن الولاء الحقيقي للوطن لا يكون إلا بولاءٍ للفكرة المؤسسية.

 

أما على مستوى السلطة التنفيذية، فإن الخطاب الملكي حمّلها مسؤولية الإنجاز النوعي لا الكمي، والنتائج لا التقارير. فالمطلوب ليس إدارة الملفات، بل قيادة التحول.

 

فحين يقول جلالة الملك بوضوح إن "على الحكومة الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي"، فهو لا يدعوها إلى متابعة شكلية، بل إلى مواجهة شجاعة مع الذات والواقع.

 

إن ترجمة هذه الرؤية تستلزم إرادة سياسية واقتصادية متماسكة، تخلق بيئة استثمارية جاذبة، تقاوم البيروقراطية، وتكسر الجمود الإداري الذي كبّل مؤسساتنا لعقود.

 

فالملك، في جوهر رؤيته، لا يتحدث عن اقتصاد أرقام، بل عن اقتصاد كرامة، ينعكس أثره على المواطن في معيشته اليومية. كما أن تطوير القطاع العام ليس ترفا تنظيميا، بل هو معركة وعي ضد البيروقراطية، وضد ثقافة "الوظيفة” لصالح ثقافة "الخدمة العامة”.

 

كما لم يكن موقف جلالة الملك من القضية الفلسطينية تفصيلا في خطاب العرش، بل جوهره الأخلاقي والوجداني. فحين يقول جلالته إن الأردن "سيبقى إلى جانب أشقائه في فلسطين بكل إمكانياته"، فإنه لا يقدّم موقفا دبلوماسيا، بل يعبّر عن هوية سياسية ثابتة، ترى في العدالة لفلسطين ركنا من أركان الشرعية الهاشمية التاريخية.

 

الحديث عن غزة لم يكن من باب التعاطف، بل من باب الالتزام. فالأردن الرسمي والشعبي يعيش مأساة غزة كجزء من ضميره الجمعي، لأن الإنسان في فكر جلالته هو جوهر السياسة، وليس ضحيتها. وفي هذا السياق، يبرز الدور الأردني الثابت في حماية القدس والمقدسات تحت الوصاية الهاشمية، باعتبارها أمانة تاريخية لا تخضع للمساومة أو المزايدة.

إن الأردن الذي وقف صامدا وسط الإقليم الملتهب، لم يفعل ذلك صدفة أو حظا، بل بفضل توازن دقيق بين الأمن والسياسة. فالخطاب الملكي أعاد التأكيد أن الجيش العربي والأجهزة الأمنية ليسوا أدوات ضبط، بل صناع استقرار، ودرع الوعي الجمعي للأردنيين.

 

وحين يتحدث جلالته عن "الأردني الذي يشد الظهر"، فهو يربط بين الأمن الوطني والأمن الوجداني، ويعيد تعريف الانتماء بوصفه وعيا ومسؤولية، لا شعورا عابرا.

 

لقد كان النداء الملكي للمواطنين ذروة الخطاب، حين وصفهم جلالته بأنهم "حملة العزيمة”. فهذه العبارة تجسد رؤية فلسفية ترى في الإنسان الأردني رأس مال الدولة الحقيقي، لذا المطلوب اليوم من المواطن أن يتحول من متلقٍ إلى شريك، من ناقد إلى مبادر، ومن متفرج إلى مساهم. فالأردن لا يُبنى من فوق، بل من جميع الاتجاهات. وهنا تكمن روح المرحلة: أن يصبح الانتماء فعل إنتاج لا مجرد انفعال وجداني.

 

خلاصة القول إن خطاب العرش هي دعوة مفتوحة إلى "إعادة هندسة العقل الإداري والسياسي" للدولة. وأن تتحرر النخب من ذهنية التلقي وأن تمارس التفكير النقدي البنّاء، وأن تدرك أن الولاء للقيادة لا ينفصل عن الإخلاص للمنهج الوطني في الفعل والتطبيق. أما المؤسسات، فعليها أن تعي أن الزمن أصبح محددا، وأن من لا ينجز يُستبدل بمن ينجز، لأن الأردن لا يملك ترف الانتظار.

 

فخطاب العرش لم يكن خاتمة مرحلة، بل بداية مسؤولية، وهو

دعوة لأن تتحول الدولة من "حالة إدارة" إلى "حالة ريادة"، وأن تتجاوز النخب مساحة التنظير إلى ميدان الإنجاز.

 

مرحلة ما بعد خطاب العرش ليس مرحلة تحليل، بل مرحلة تحويل؛ تحويل الرؤية إلى منهج، والمنهج إلى ممارسة، والممارسة إلى إنجازٍ، فمن هنا تبدأ مسؤولية كل أردنيٍّ مؤمن بأن الانتماء لا يُقاس بالكلمات، بل بما يُنجَز في ميدان الفعل.