شريط الأخبار
الكيان ينزف بشريا وتقنيا: محاولة إسرائيلية لوقف تزايد الهجرة عبر الحوافز الاقتصادية توقف خدمة 'كليك' كليا في الأردن لمدة 8 ساعات لغايات التحديث مجلس منظمات حقوق الإنسان: ارهاب المستوطنين أداة للهندسة العرقية بالمناطق المحتلة وفاة حدثين غرقا في بركة زراعية بالمفرق العيسوي: الأردن بقيادته الهاشمية وشعبه وجيشه صامد بوجه التحديات ومسيرته نُسجت بعرق الجنود ودماء الشهداء الملك وإمبراطور اليابان يؤكدان متانة العلاقات الثنائية المؤتمر الوطني الثاني للأمن الدوائي يوصي بإنشاء مصنع للمواد الخام ومنصة وطنية للبيانات الصحية أمانة عمان تتيح الاعتراض على أخطاء مخالفات السير "العمل" و"تجارة الاردن": تفاهم يسمح باستقدام عمالة اجنبية للقطاع التجاري مقابل تشغيل أردنيين ما الذي يطبخ لسورية: قاعدة امريكية قرب دمشق ومنطقة حكم ذاتي درزية… وأخرى منزوعة السلاح حول الجولان للمرة الثالثة على التوالي.. اغلاق معصرة زيتون باربد تغش بمنتجاتها عشرات عمال "العطارات" يعتصمون احتجاجا على فصلهم واستبدالهم بعمالة هندية الملك يبحث في طوكيو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الأردن واليابان الملك يلتقي رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) استقالة مدير عام "بي بي سي" ورئيسة الأخبار لاتهامها بانحياز "منهجي وخطير" وثائق داخلية تكشف: "ميتا" حققت 16 مليار دولار من إعلانات تروّج للاحتيال ومنتجات محظورة فريق الوحدات يتأهل لربع النهائي ببطولة كأس الأردن مذكرة تفاهم تهدف إلى تقديم تسهيلات لترخيص الأبنية القائمة في المحافظات خلال لقائه وفدًا من كلية دي لاسال الفرير "اتحرك": نمو فرص العمل الصناعية يؤكد أثر المقاطعة الإيجابي بدعم الإقتصاد الوطني

الكيان ينزف بشريا وتقنيا: محاولة إسرائيلية لوقف تزايد الهجرة عبر الحوافز الاقتصادية

الكيان ينزف بشريا وتقنيا: محاولة إسرائيلية لوقف تزايد الهجرة عبر الحوافز الاقتصادية


تتزايد منذ مطلع العام الحالي المؤشرات الدالّة على ارتفاع معدلات الهجرة العكسية من إسرائيل، وذلك في ظلّ حرب الإبادة على غزّة وما تخلّفه من تداعيات أمنية وإنسانية. كما تتأثر هذه الظاهرة أيضًا باتساع الانقسامات السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، وبقلق فئات متزايدة من استمرار هيمنة أحزاب اليمين المتطرّف، وما يترتّب على ذلك من انعكاسات على طبيعة الدولة، ومكانتها الدولية، ووضعها الاقتصادي.

في مطلع العام الحالي (21 كانون الثاني/يناير 2025) عُرضت معطيات وُصفت بأنها مقلقة في لجنة الشباب في الكنيست، تناولت مؤشرات هجرة الشباب والعائلات الشابة خلال عام 2024. وتُظهر هذه المعطيات أن إسرائيل تشهد موجة هجرة سلبية ملحوظة، إذ يغادرها عدد من المواطنين يفوق عدد العائدين أو الوافدين الجدد إليها. ففي عام 2024، غادر نحو 83 ألف إسرائيلي البلاد، في حين عاد فقط نحو 24 ألف شخص، ما يعني رصيد هجرة سلبيًّا يقارب 60 ألف نسمة — أي أكثر من ضعف المعدل المسجّل في عام 2023.

كما تُبيّن بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية انخفاضًا بنسبة نحو 42% في معدلات الهجرة إلى إسرائيل خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى آب/أغسطس 2025، مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2024، وهو ما يعكس استمرار التراجع في جاذبية إسرائيل كوجهة استقرار وهجرة.

ووفقًا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن نحو 81% من المغادرين تقل أعمارهم عن 49 عامًا، وتشكل الفئة العمرية ما بين 25 و44 عامًا النسبة الأكبر بين المهاجرين، إذ تضمّ في معظمها العائلات الشابة التي تغادر إسرائيل بمعدلات هي الأعلى. وتُعدّ هذه الفئة من القوى المنتجة التي تُشكّل ركيزة أساسية للاقتصاد والمجتمع والأمن في إسرائيل، ما يجعل استمرار هجرتها تحدّيًا بنيويًا ذا أبعاد اقتصادية واستراتيجية عميقة.

وتعود هذه الظاهرة، كما ورد في اجتماع لجنة الشباب في الكنيست، إلى شعور متزايد بانعدام الأمن في أعقاب الحرب على غزّة، وإلى اعتبارات اقتصادية في مقدمتها ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافةً إلى عوامل اقتصادية وسياسية أخرى ساهمت في تعزيز رغبة شرائح من المجتمع الإسرائيلي في الهجرة أو البحث عن بدائل للعيش خارج البلاد.

وفي مقابلة مع صحيفة معاريف بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر الماضي، أعقبت نشر دائرة الإحصاء المركزية لمعطياتها حول تزايد معدلات الهجرة من إسرائيل، قال البروفيسور سيرجيو ديلا-فرغولا، الخبير في قضايا الديموغرافيا: "هذه هي المرة الرابعة خلال المئة عام الماضية التي تُسجَّل فيها في إسرائيل هجرة سلبية"، مشيرًا إلى أن بيانات دائرة الإحصاء المركزية تُظهر أن نحو 79 ألف شخص هاجروا من إسرائيل خلال العام الأخير.

الحد من الهجرة عبر أدوات اقتصادية

في ظل المعطيات وتزايد قلق المؤسسة الإسرائيلية من استمرار اتساع موجة الهجرة السلبية، ومع تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع التقنيات المتقدّمة — الذي يُعدّ أحد محرّكات النمو الاقتصادي الأساسية في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين — إلى جانب تجميد عمليات التوظيف في هذا القطاع، ونقل عدد من الشركات نشاطها إلى خارج البلاد كما أشار تقرير هيئة الابتكار لعام 2025، بادرت وزارة المالية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة إلى طرح سلسلة من المخططات والبرامج الاقتصادية للتعامل مع هذا الوضع.

وتنظر إسرائيل إلى ارتفاع معدلات الهجرة العكسية وتراجع أداء قطاع التكنولوجيا الفائقة بوصفهما تهديدين استراتيجيين مزدوجين يمسّان الاقتصاد الوطني والأمن القومي في آنٍ واحد. وانطلاقًا من هذا التصوّر، أطلقت وزارة المالية مؤخرًا خطة اقتصادية شاملة تهدف إلى معالجة الظاهرتين بالتوازي، من خلال حوافز مالية وإصلاحات هيكلية تستهدف تشجيع الاستثمار في قطاع التقنيات المتقدّمة، فضلًا عن تحفيز عودة الإسرائيليين المقيمين في الخارج للمساهمة في الاقتصاد المحلي.

تخفيضات ضريبية لصناديق الاستثمار

وفي هذا السياق، عرضت الوزارة في مؤتمر صحافي عُقد يوم الأحد (2 تشرين الثاني/نوفمبر 2025) الخطوط العريضة لإصلاح ضريبي يهدف إلى خفض الضرائب على صناديق الاستثمار العاملة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلية (الهاي-تك).

يتضمن هذا الإصلاح، كما أوردت صحيفة غلوبس الاقتصادية، تخفيضًا ضريبيًّا كبيرًا لمديري صناديق رأس المال المُخاطر (Venture Capital)، والاستثمار الخاص (Private Equity)، وصناديق التحوّط (Hedge Funds) الإسرائيلية، في إطار تشجيع زيادة حجم الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المتقدّمة.

ويشمل الإصلاح حزمة من الإجراءات التشريعية والتغييرات التنظيمية الرامية إلى إزالة العقبات البيروقراطية وتقديم حوافز مالية، بما يعزّز نمو شركات الهاي-تك في إسرائيل، ويشجع نشاط الشركات التكنولوجية متعددة الجنسيات داخل البلاد، إضافةً إلى تسهيل عمليات الاستحواذ على الشركات الإسرائيلية، وتسريع عودة العاملين في قطاع الهاي-تك من الخارج، فضلًا عن تشجيع الاستثمار في الشركات الإسرائيلية منذ مراحل التأسيس الأولى وجولات التمويل الأولية، مرورًا بمراحل النمو والتوسّع، ووصولًا إلى مرحلة الطرح العام أو البيع لشركات عالمية.

تم إعداد هذا الإصلاح الضريبي بالتعاون بين وزارة المالية وسلطة الضرائب وهيئة الابتكار الإسرائيلية، وبمشاركة ممثلين عن قطاع الهاي-تك والهيئات المهنية ذات الصلة. ويُتوقَّع أن يحظى الإصلاح بتأييد واسع، إذ لا يعارض القطاع الاقتصادي تخفيف الضرائب والبيروقراطية.

يتصدّر الإصلاح الجديد تخفيض ضريبي كبير على ما يُعرف بـ "عوائد النجاح" (Carry) التي يحصل عليها مديرو صناديق رأس المال المُخاطر، والاستثمار الخاص، وصناديق التحوّط الإسرائيلية، وذلك بهدف تشجيع زيادة الاستثمارات في قطاع الهاي-تك. ففي السابق، كان هؤلاء المديرون يدفعون ضرائب تصل إلى 50% على عوائد النجاح الناتجة عن بيع شركات التكنولوجيا، بينما سيُخفَّض معدل الضريبة بعد الإصلاح إلى 27% فقط، مع إمكانية فرض ضريبة إضافية تصل إلى 5%.

وتُقدَّر عوائد النجاح عادةً بنحو 20% من أرباح الصندوق (بعد استرداد المستثمرين لرأسمالهم المبدئي مضافًا إليه العائد المتفق عليه مسبقًا)، ويتم توزيع هذه النسبة بين الشركاء الإداريين في صناديق رأس المال المُخاطر التي استثمرت في تلك الشركات.

ولا تقتصر هذه التخفيضات على الشركاء الإسرائيليين فحسب، بل تشمل أيضًا الشركاء الأجانب في الصناديق، الذين كانوا يتمتعون أصلًا بامتيازات ضريبية كبيرة. وبموجب التعديل الجديد، ستنخفض ضريبة الـCarry من 15% إلى 10% فقط، في خطوة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي.

تسهيلات ضريبية لتشجيع عودة الإسرائيليين

تشمل التسهيلات الضريبية الجديدة أيضًا العاملين الإسرائيليين في قطاع الهاي-تك المقيمين في الخارج والراغبين في العودة إلى إسرائيل. فبموجب التعديل الجديد، سيتم تقليص فترة الالتزام بدفع الضريبة على خيارات الأسهم (Stock Options)، وفي بعض الحالات سيُعتبر الربح الناتج عنها ربحًا رأسماليًّا (Capital Gain) وليس دخلًا تشغيليًّا (Income Tax).

في الواقع القائم لغاية الآن، كان الموظف الذي يعود من مهام عمل في الخارج (Relocation) مُلزَمًا بدفع ضريبة في إسرائيل على كامل الأرباح الناتجة عن تسييل الأسهم، بما في ذلك الفترة التي عمل خلالها خارج البلاد. أما الآن، فسيُوزَّع الدخل وفق سنوات الاستحقاق (Vesting)، بحيث يُعفى الجزء الذي تراكم خلال فترة العمل في الخارج من الضريبة.

كما تشمل التسهيلات الإضافية خطوات تهدف إلى تعزيز الوضوح واليقين للشركات الدولية الراغبة في الاستحواذ على شركات إسرائيلية لكنها تخشى من تقديرات ضريبية فردية أو عشوائية وغير متوقعة. وفي هذا الإطار، تلتزم سلطة الضرائب الإسرائيلية بإصدار تقدير ضريبي رسمي خلال 180 يومًا من تقديم الطلب، يتم فيه تحديد آلية احتساب الأرباح ونسبة الربح الخاضعة للضريبة المرتبطة بالصفقة.

ليس بالاقتصاد وحده

تُظهر هذه الخطط أن المؤسسة الإسرائيلية باتت تدرك الحاجة الملحّة للتعامل مع ظاهرة هجرة الطبقات الوسطى والمتعلّمة، وهي الفئات التي تُعدّ من الشرائح الأكثر إنتاجًا وتأثيرًا في الاقتصاد الإسرائيلي. ومن هنا، تسعى الدولة إلى منع تفاقم هذه الظاهرة من خلال استخدام أدوات اقتصادية وضريبية، وتخصيص ميزانيات تحفيزية تستهدف استقرار هذه الفئات وإبقائها داخل البلاد.

ويعكس ذلك أن إسرائيل، رغم تراجع دور الدولة في إدارة الاقتصاد خلال العقود الأخيرة، ما زالت تستخدم السياسة الضريبية كأداة فاعلة في التدخل الاقتصادي، سواء عبر تشجيع الاستثمارات الأجنبية، أو من خلال تقديم تسهيلات ضريبية لقطاعات محددة تُعتبر محورية في البنية الاقتصادية للدولة، مثل قطاع التقنيات المتقدمة.

ومع ذلك، تقوم هذه المقاربة على افتراضٍ ضمنيّ بأن الأدوات الاقتصادية والضريبية قادرة وحدها على معالجة الأزمة، من دون أن تُرافقها معالجة أعمق للعوامل البنيوية الأخرى، مثل الاعتبارات الأمنية والسياسية، وتزايد نفوذ الدين في المجال العام، وتنامي الأعباء الاقتصادية والعسكرية المُلقاة على الطبقات المنتجة، وهي أعباء ترتبط بشكل مباشر باستمرار الاحتلال وتوسّع المشروع الاستيطاني. وبذلك، تتجاهل الحكومة والمؤسسة الإسرائيلية الترابط القائم بين الاحتلال والاستيطان من جهة، وتراجع الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتصاعد الهجرة السلبية من جهة أخرى.

ومن هنا، تبقى الأشهر القادمة بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرة هذه الأدوات الاقتصادية على كبح تفاقم ظاهرة الهجرة، أو تحفيز الإسرائيليين المقيمين في الخارج على العودة والانخراط مجددًا في الاقتصاد المحلي، فضلًا عن تشجيع الاستثمارات في شركات التقنيات المتقدّمة الإسرائيلية.