زلزال ممداني .. ثمرة .. طوفان الأقصى
عوض ضيف الله الملاحمة
طوفان الأقصى ذهب للحد
الأقصى في كل شيء . ذهب للحد الأقصى في عدد الشهداء والجرحى والمفقودين . ذهب للحد
الأقصى في الدمار . ذهب للحد الأقصى في الصبر ، والجوع ، والجفاء ، والعزلة ،
والمقاومة . كما ذهب للحد الأقصى في إنقلاب مواقف شعوب الغرب من تأييد قوي ، الى عدائية
شديدة وغير متوقعة للكيان الصهيوني تحديداً وللصهيونية عامة .
وهنا أرى انه من
الضرورة التعريف باختصار بالسيد / ممداني : إسمه : زهران كوامي ممداني .
مغني راب ، أصوله هندية ، ولد في مدينة كمبالا عاصمة اوغندا ، عام ١٩٩١ ،
وعاش بداية في كيب تاون في جنوب افريقيا ، قبل انتقاله الى نيويورك ، وعمره ( ٧ )
سنوات . وهو حاصل على شهادة الآداب من جامعة بودوين . والده أستاذ جامعي ، من أصول
هندية ، من مدينة غوجرات ، ويبدو انه حصل على الجنسية الأوغندية قبل الأمريكية .
وكذلك والدته / ميرا ناير فهي من أصول هندية . تزوج ممداني من السيدة
/ راما صواف دوجي ، سورية الأصل ، من مواليد هيوستن عام ١٩٩٧ .
بعد فوزه وجه ممداني
رسالة قوية إلى ترامب ، قال فيها : — [[ دونالد ترامب أعرف أنك تشاهدني ،
لدي أربع كلمات لك : نيويورك ستبقى مدينة مهاجرين ، بناها المهاجرون ، ومدعومة من
المهاجرين ، وإبتداءاً من اليوم يقودها مهاجر ]].
نيويورك مدينة ليست كأي مدينة ، وولاية ليست كأي
ولاية . الناتج المحلي لنيويورك ( ١,٣ ) تريليون دولار ، وإيرادات البلدية ( ١١٢ )
مليار دولار سنوياً . ومساحة ولاية نيويورك ( ١٤١,٣٠٠ ) كم مربع ، وعدد سكانها
حوالي ( ٢٠ ) مليون نسمة ، منهم ( ٢ ) مليون يهودي .
التحول الحقيقي ان يصوت
( ٤٠ ٪ ) من يهود نيويورك الى مسلم اوغندي من أصول هندية ، ديمقراطي إشتراكي ،
مناصر لغزة وفلسطين ، هذا هو التحول الذي يلفت الأنظار .
ممداني لم يُنتخب لانه
مسلم ، ولا لانه داعم للقضيه الفلسطينية . ممداني تم إنتخابه بسبب تركيزه في
حملته الإنتخابية على الخدمات لذوي الدخل المحدود ، وارتفاع تكاليف المعيشة
، ولأنه وعد برفع الضرائب على الأثرياء وعلى قطاع الأعمال ، والإنتصار لحقوق
العمال ، وبهذا يكون على النقيض من الرئيس / ترامب .
أستغرب الضجة الكبيرة
التي أحدثها فوز ممداني كعمدة لمدينة نيويورك . لأسباب عديدة أذكر منها :—
١ )) هناك ( ١٢ ) رئيس بلدية في بريطانيا ، ومنها
عمدة لندن السيد / صادق أمان خان . كما فاز ( ٣٨ ) مرشحاً مسلماً في انتخابات
مسؤولين امريكيين.
٢ )) ممداني لن يحرر فلسطين ، ولن يستطيع تقديم اي
شيء لغزة.
٣ )) ممداني لن يستطيع تقديم اي شيء للعرب والمسلمين .
٤ )) مناصرة ممداني لغزة وللقضية الفلسطينية تأتي ضمن
الطوفان الذي غزا كافة دول الغرب ، لأنهم عرفوا حقيقة العدو الصهيوني ، والفضل
بهذا يعود لوسائل التواصل الإجتماعي التي أضعفت تأثير الاعلام الصهيوني على الشعوب .
٥ )) ممداني لن يغير سياسة امريكا تجاه العرب
والمسلمين.
٦ )) ممداني منتمٍ لأمريكا، مثله مثل غالبية
المهاجرين الذي غادروا بلدانهم الى بلاد العم سام ، بلاد الأحلام ، وحققوا أحلامهم
، واستمتعوا بالديمقراطية ، والرعاية الصحية المتميزة ، والكرامة ، والعدالة ،
والحياة الكريمة.
٧ )) ممداني عندما يقول بانه لن يتخلى عن ديانته ،
يكون ذلك وفق إطار أنه أمريكي أولاً ، وهذا حق تحفظه له القوانين الاميركية.
٨ )) ممداني مهدد من الآيباك ، ورابطة مكافحة التشهير
الصهيونية ، لذلك سيخطب ودّ كل معارضيه ومنهم الصهاينة .
كيف تغير الغرب ؟ السبب
المباشر والفعلي لتغير الغرب ، وتحوله لمناصرة القضية الفلسطينية يتمثل في طوفان
الأقصى ، فقط . بعدها يعود فيه الفضل لوسائل التواصل الإجتماعي ، التي خلّصت شعوب
الغرب من سيطرة الإعلام الصهيوني . حيث أتاحت وسائل التواصل الإجتماعي ، لكل إنسان
ان يُصبح إعلامياً يوثق منتجه بالصوت والصورة . وهكذا زالت الغمامة الصهيونية عن
أعين الناس . ولأنها شعوب ديمقراطية ، متحضرة ، متفتحة ، حضارية ، سارت وفق
قناعاتها وساندت الحق ، وطالبت بالعدالة . واحدثت تحولاً ، وزخماً جماهيرياً إجتاح
كل مدن الغرب.
من يعيشون في الغرب
غالبيتهم ينسلخون عن أصولهم — خاصة من جاءوا من دول العالم الثالث — وبصدق لديهم
كل الحق — فمن حقهم ان ينتموا للبلاد التي إستضافتهم ، واستجاروا بها ، وآوتهم ،
واحترمت آدميتهم ، وعززت إنسانيتهم ، وذاقوا فيها طعم الحرية ، والكرامة ، وتساوي الفرص
، والعدالة ، وعاشوا حياة رفاه بعد فقر وجوع .
ممداني ليس هو الوحيد
الذي حقق هذا النجاح ، بل هناك ( ٤ ) شخصيات ثلاثة منهم فازوا كرؤساء بلديات ،
وواحدة حصلت على منصب نائبة رئيس بلدية . كما ان هناك ( ٢ ) سيدتين من أصول عربية
فازتا بمنصب نيابي في الكونغرس الأمريكي قبل بضع سنوات .
هذا في أمريكا لوحدها .
أما في بريطانيا فهناك ( ١٢ ) رئيس بلدية ، وأهمها رئيس بلدية العاصمة لندن السيد
/ صادق أمان خان . وعلينا ان لا نتوقع من هؤلاء كلهم مواقف داعمة بشكل حقيقي وفاعل
لقضايانا العربية والإسلامية ، لأسباب عديدة .
هؤلاء ينتمون
لمجتمعاتهم المحلية وأهدافهم تتمثل في خدمتها .
لكن ما يستحق التأشير
عليه هو قبول المجتمعات الغربية عامة للعرب والمسلمين لتصدر مواقع في بلدانهم .
وغالبيتهم ينسلخون عن أصولهم . كما انهم يصبحون غير مهتمين باصولهم ، لأن إنتمائهم
الحقيقي يكون للمجتمعات التي سمحت لهم بتولي تلك المواقع ، لتحقيق الذات .
صحيح ان ( ٢٦ )
مليارديراً تبرعوا بمبلغ (٢٢ ) مليون دولار لإسقاط ممداني
أول وأصغر مسلم يفوز
بهذا الموقع .
وهو اصغر عمدة تنتخبه
نيويورك منذ ( ١٠٠ ) عام . صحيح ان الإعلام الصهيوني يعيش حالة ذهول . وصحيح انه
قال انه سيعتقل نتنياهو اذا دخل نيويورك . لكن كل ذلك لا يؤثر على إنتمائه لوطنه
الجديد ، ولن يتخذ إجراءاً يضر به.
وصحيح ان الإعلام
الصهيوني وصف ممداني بانه مزّق الجالية اليهودية في نيويورك . وذُهلوا من تصويت (
٤٠٪ ) الى ممداني . وصحيح ان هذا ليس بسيطاً ، خاصة انه أتى بعد قرن من الدعم
المطلق للصهيونية . وبالتحديد لأنه حدث في نيويورك ( مربط خيلهم ) وهي المدينة ذات
الخصوصية . ففي نيويورك حوالي ( ٣٤,٠٠٠ ) أسرة دخلها السنوي ( ١ ) مليون
دولار ، و ( ١,٠٠٠ ) أسرة دخلها السنوي يزيد عن ( ١٠ ) مليون دولار ،
و ( ١٥٢ ) مليارديراً ، وترتيب إيرادات ولاية نيويورك هو الثالت بعد كاليفورنيا
وتكساس . وصحيح ان ترامب هدد بحرمان نيويورك من التمويل الإتحادي . مع انه ليس من
صلاحياته وانما من صلاحيات الكونغرس وتحديداً البرلمان .
ما أشعر به من هذا
الإهتمام الكبير على المستوى العربي وكأن ممداني سينقذنا من كافة مصائبنا ويكافح
للإرتقاء بنا الى مصاف الدول المتقدمة ، وهذا لن يكون أبداً ، لأن ممداني ينتمي
الى امريكا وطنه الجديد ، الذي أفسح له المجال ليصل الى ما وصل اليه . يبدو أننا
أصبحنا كالتي تتغزل في شعر جارتها . لأننا نتباهى بإنجازات غيرنا ، و( نتعشم ) بما
لا يمكن حصوله .
























