اللقطة التي ستبقى


د حيدر البستنجي
عندما أعلنت
وزيرة الخارجيّة الأميركيّة عام ٢٠٠٦، كوندوليزا رايس، عن «الولادة القاسية للشرق
الأوسط الجديد»كان هذا الإعلان بمثابة اللقطة الإعلامية التي يراد لها ان تبقى
طويلًا في الأذهان، نجحت اسرائيل في تدمير لبنان لكنها تعثّرت في القضاء على حزب
الله ليلتقط ، المرشد الإيرانيّ علي خامنئي الفكرة ويعمل على بناء شرق
أوسط جديد، لكن بصفات إيرانيّة. وبقيت اللقطة الأهم هي إعلان رايس والولادة
المتعسرة وغابت تفاصيل ما يجري على الأرض.
في كل الاحداث الكبرى
والحروب عموماً، هناك لقطات تبقى للأبد وتنسى التفاصيل الأخرى ، او تذوب في
المراجع والأرشيف ، فما يهم الجمهور هو الصورة الباهرة اما التفاصيل فهي للباحث
الجاد وفقط. على سبيل المثال لم يبق في ذاكرة الشعوب عن حرب اكتوبر سوى صورة
العبور الكبير والناجح لخط بارليف وكذلك لقطة ثغرة الدفرسوار بالرغم من اختلاف
الدلالة بينهما ولا يبقى من ذاكرة محبي الرياضة اهم من لقطة هدف رودريجو ضد السيتي
في الدقائق الأخيرة ومصطلح فما حاجة من مشوار ريال مدريد المترنح نحو البطولة .
نعم لقطة تخفي
ماحولها حتى تصبح هي الحرب او صورتها الخالدة وفقط ، وهذا الأمر جلي وواضح
في الحرب الأخيرة بين ايران وإسرائيل ، حرب القنبلة او بالأحرى حرب محاولة منعها
والتي ارادها نتنياهو واليمين المتطرف فرصة للتبجح والتباهي Bravado في لقطة الافتتاح ضربات مركزة واغتيالات واختراق تجسسي في حفلة
كبرى ستبقى عالقة عن صورة الحرب كما في حرب الايام السته ١٩٦٧ ومشهد تدمير
الطائرات المصرية على الارض ،لكن الحرب تحولت إلى رقصة تانغو مصممة choreography للجميع في ما يمكن تشبيهه بحفلة طهور
التيس ، فقد استوعبت ايران الضربة وبقيت متماسكة وردت بعنف على الكيان ، مما
استدعى تدخلاً خاصاً سيبقى ايضا في الذاكرة لفترة طويلة لحظة ضرب
المفاعلات النووية واخراجها من الخدمة لسنوات وخروج ترامب بصورة
الزعيم الاكبر والذي يقول كلمة النهاية للجميع وعمليا عندها كانت الحرب بشكلها
الاستراتيجي قد انتهت فعلا.. لكن لقطة النهاية قبل دخول وقف اطلاق النار حيز
التنفيذ .. تركت لإيران ، حيث وجهت ايران ثلاث موجات من القصف الصاروخي على مختلف
مدن دولة الاحتلال .. الحصيلة الأولية ثمانية قتلى والعديد من الجرحى في بئر
السبع وانفجارات ضخمة في مدن الوسط .. هدفها اعطاء لقطة لإيران من ضمن
الصورة النهائية للحرب وهي الصورة التي ربما ستبقى عالقة في الذاكرة
والاعلام تماما مثل صورة اللحظة الأولي للحرب اسرائيلياً.
وفي عالم السياسة والحروب، ليس بالضرورة الحصول
على الاستسلام الكامل من الخصم وخصوصا إذا كان مطلوباً منه اداء ادوار لايمكن ان
يقوم بها سواه مثل تفكيك برنامج او تسليم أسرى أو الحفاظ على بلد يراد ان يصبح
حليفا بالتدريج . و كثيرًا ما تنتهي النزاعات باتفاق لوقف إطلاق النار، يتضمّن في
بنوده ما يُعرف بـ"التخريج النهائي"، وهو ترتيب يُحفظ فيه ماء الوجه
لجميع الأطراف، حتى في ظل الهزيمة أو التراجع. وغالبًا، يتضمّن هذا الترتيب ضربتين
رمزيّتين: ضربة شبه حاسمة ينفذها الطرف الأقوى لتأكيد تفوقه مثلما حصل في ضرب
المفاعلات وخرجت القوة العظمى باللقطة ، تليها ضربة أخيرة محدودة من الطرف الأضعف،
تُمنح له الكرامة كنوع من التوازن الرمزي، كي يبدو أمام جمهوره أنه لم يُهزم
وأنه ما زال قادرًا عل الرد. ممارسة شائعة في فنون التفاوض العسكري فالحفاظ على
الشكل العام هو جزء من إنهاء النزاع ،ايضاً.
كل الأطراف يمكنها ان
تخرج بصورة نصر ما، وتستطيع الأطراف المتحاربة ان تسوق لجمهورها انها لم
تخضع ونجحت في منع الطرف الاخر من النصر الكامل عليها ، إلا غزة التي ضحت في
البداية ثم تركت تواجه مصيرها لوحدها ، والآن عند دخول اتفاق وقف إطلاق
النار حيز التنفيذ، يكون قد تم رسميا وعملياً دفن فكرة وحدة الساحات وتركت غزة
غارقة بانتظار هدنة معلقة ولا غالب إلا الله.