وسائل التواصل الإجتماعي.. إنزلقت نحو البذاءة اللفظية


عوض ضيف الله الملاحمة
وسائل التواصل
الإجتماعي ، وسائل حديثة ، متطورة ، راقية ، تشكِّل وسيلة راقية للتواصل مع
الآخرين ، وهي متنفساً للتعبير عن الذات ، وللإفصاح عن المشاعر ، ووسيلة لإبداء
الآراء ، والحوار الحضاري البعيد عن التعنت ، والتعصب .
من يستخدمون وسائل
التواصل الإجتماعي ويتفننون في إستخدامها ، يفترض ان غالبيتهم من جيل الشباب
، الذي يفترض انه جيل متفتح ، متحضر ، يتقبل الرأي الآخر ويحترمه . ونأمل فيهم
الخير ، والصلاح ، والإنفتاح ، والتحضر في التعامل . ولهذا يفترض فيمن يستخدمها ان
يؤمن بحرية التعبير ، ويحترم الآخر ، ولا يتعصب لرأيه ولا يعتبر ان رأيه هو الأصوب
والأصح ، وانه يحتكر معرفة الحقيقة ، وانه منزّه عن الخطأ في الفهم والتعبير .
لكن مع كل الألم والأسف
، ما ان تتصفح وسائل التواصل الإجتماعي الا وتجد الكثير مما يكدر خاطرك ، ويغث
بالك ، ويؤلمك ، ويشعرك ان استخدامك لهذه الوسائل الحضارية يسحبك للإسفل ، بدل ان
ترتقي بك.
مع كل الألم والأسف ،
أصبحت هذه الوسائل الحضارية تعج بالألفاظ البذيئة ، والسِباب ، والشتائم ،
والتهديد ، والوعيد ، والتعصب للرأي ، وكأن الواحد هو الذي يمتلك الحقيقة ، والرأي
السديد ، وغيره جاهل ، بل غبي ، او مأجور ، عميل ، بدون رأي ولا قيم . كما تشعر
بأن البعض يتلذذون بإهانة الآخر ، والإساءة اليه ، والنيل من كرامته .
كما انه أصبح من السهل
على المتابع ان يعرف اذا الزوجين تخاصما ، او تراضيا . فإذا تخاصما يتم البدء بنشر
ما يعبّر عن الندم على الإرتباط ، ويمجِّد الأهل ، والحنين لفترة ما قبل الزوج .
وما ان يتراضيا حتى يتم نشر صورٍ تجمعهما مترافقة مع عبارات كحبيب العمر ، ورفيق
الدرب الدافيء ، المُحب ، الودود.
ومن السهل ان تعرف
أسرار العائلات ومشاكلها العائلية التي يفترض ان لا يعرف بها أحد . لا بل يعرف
المتابع من التي طبخت ، هل الزوجة ، او إحدى الصبايا ، وماذا طبخت ، وهل أجادت
الطبخ ، وتُعرض الصواني مغلفة بعبارات المديح والإشادة . وإذا كانت الوليمة
تكريماً لمدعوين ، فيتم إعداد فيلم يصّور المائدة العامرة بما لذّ وطاب ، وتتطوف
الكاميرا على المدعوين ، وهم في أوضاع غير لائقة ، بل مُحرجة ، فهذا فاغراً فاه ،
كأنه لم يمسس ولم يتذوق طعاماً من قبل ، وذاك نافخاً شِدقيه كأنه قد تلقى لكمة من
مصارع محترف ، وآخر يمد يده ، وثانٍ يسحب يده ، فتتشابك الأيدي كأنها في صراع .
وتحولت دعوة التكريم الى فضيحة موثقة بالشهود ، والأدلة ، والصور ، يعني أصبحت (
مِعْيار ) ، والغاية منها التباهي ، والإستعراض .
ومما يُعكِّر مزاج
المتابع عندما ينشر الإخوة خلافاتهما على الميراث او غيره للعامة ، وأحياناً
يطرحون المشكلة ويطلبون آراء ونصائح من القراء . ما هذا !؟ كما يُفرض على المتابع
ان يعرف المناسبات الخاصة وماذا اهدى الزوج لزوجته ، حتى نوع الكعكة وألوانها في
بثٍ مباشر معروض على العامة.
والمُضحك المُحزن عندما
ينشر البعض بعض العبارات الغريبة ، مثل : — على فلان مغادرة صفحتي وإلا !؟ من لا
يؤيد الدولة الفلانية او التنظيم الفلاني او فريق كرة القدم العلاني لا يشرفني
وجوده على صفحتي وسوف أشطب إسمه او اعطيه ( block ) . حتى وصل الأمر الى التهديد ، مثل : فلان .. إذا إنك رجُل لاقيني في
المكان الفلاني !؟ أما إستخدام الرموز والتلميح للإساءة للآخرين فحدِّث ولا حرجْ .
أصبحت بيوتنا مكشوفة
الأسرار ، وعلاقاتنا مفضوحة . والمؤلم ان الألفاظ البذيئة يقرأها نساء واطفال
ورجال كِبار بالعمر يصعب عليهم تقبُّل كشف عورات الناس والبيوت، لأنهم عاشوا حياة
سِترٍ ، ولا يمكن ان يتقبلوا بذيء القول .
كما أود ان أُقدِّم
نصيحة عامة ملخصها : صديق التواصل الإجتماعي لا تندم ، ولا تتحسر ، ولا تكتئب
، ولا تتوتر ، ولا تزعل إذا خسرته ، لأنه مِثلُ الهباء . فالعلاقة سطحية ،
غيبية ، شكلية ، آنية ، لا ترتكز الى مرتكزات المعرفة الشخصية التي فيها تفاعل
دائم يسبر أغوار الشخص لتختبره وتعرف خصاله .
وأختم وأقول : لكل من
يسيء إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي ، أرجوكم إرأفوا بنا ، وإرحمونا ، لأننا
مجبرون على إستخدامها ، لنتماشى ، ونتعايش مع هذا العصر ، ولأنها وسائل للتواصل
وليس للتباغض ، والتناحر ، والشتم ، والقطيعة . فإرتقوا برقيها ، ولا تنحدروا بها
الى دركٍ وضيع يشوهها ، ويؤذينا . ولا تنسوا انه لا أحد يحتكر الحقيقة او يمتلكها
، وأن للآخرين رأي مثله ، وانه ليس رأيه هو الصحيح ورأي غيره قبيح .