المِرْياعْ .. مطواع .. بِذِلّة


عوض ضيف الله الملاحمة
ما أكثر المراييع في
بلدي . هم أدوات ، يُقولبون كما المعجونة التي يلعب بها الأطفال . لديهم مواصفات
خاصة جداً ، حيث يتصفون بالسقوط ، و( السقاطة ) ، والتفاهة ، والخِسة ، وغياب
الكرامة . لا يندى لهم جبين ، ولا يحمرّ لهم وجه ، ولا يقشعر لهم بدن ، ولا ترتفع
لهم هامه ، أدمنوا الإنحناء ، والتغابي والغباء . هم بلا كرامة ، جباههم لا تعرف
الرِفعة ، ووجوههم أدمنت تلقي الصفعة تلو الصفعة . لا يعترفون بدين ، ولا
يلتزمون بقيم ، يعشقون الوضاعة والصفاقة ، والتذلل .
لجماعة الكورنفلكس (
المرياع ) هو كبش في الهيئة فقط ، مسلوب منه كافة أدوار ومهام الكبش الفعلية
المعروفة ، بما فيها ( الإخصاء ) ، لإنتزاع فحولته ، حتى لا ينشغل في موسم (
الهْدَادْ ) عن دوره الذي رُسِم له . أثناء تربيته لا يرضع الحليب من أُمِّه
كما باقي الخِراف ، تتم تربيته منذ صغره على شُرب الحليب ( بالقَدَحْ ) او بكف
الراعي ، لذلك هناك قول معروف بين مربي الأغنام ، حيث يُقال ( تربات قَدَحْ ) ،
ويقال لتوصيف التبعية ، والإنصياع ، والخضوع ، وإلغاء الشخصية .
المرياع مثال دقيق
لتوصيف الفرق الكبير بين المظهر والمخبر . فليس كل ذو هيبة له شأن . وليس كل صاحب
مظهر يستأثر بالاحترام.
المرياع شخصيتة زائفة
الهيبة ، وضيعة المقام ، تُدار من حِمار ، ليسهل على الراعي إدارة القطيع . وهناك
مواصفات للمرياع ، حيث يتم إنتقاؤه من بين الخِراف ، ممن يتمتعن بالبنية الضخمة ،
والهيبة ، وفق تتبع ألأُم والأب — أي النعجة والكبش — ويتم تجريده من كافة
الصفات والمواصفات ، إلا من الشكل ، حيث لا يُكتفى بالمحافظة على الشكل ، بل يتم
تطويره ، وتضخيمه ، لإضفاء مزيد من الهيبة على هيبته الجينية الموروثة ، فلا يتم
جَزّ صوفه ، أحياناً يتم جَزّ جزء من الصوف والإكتفاء ب ( التميمة ) اي إبقاء
الجزء العلوي من الصوف ليبدو أضخم من باقي أفراد القطيع ، كما يتم إضافة (
المُغرة ) على الصوف ، وتعني صبغ معظم الصوف باللون الأحمر ، ليرمز للقوة ،
والعظمة . كما يُضاف لهيئة المرياع هيبة أخرى تتمثل بتعليق ( قُرقاع ) أي جرس
نحاسي ضخم في رقبته ، لِيُصدِر صوتاً عالياً ، قوياً ، عظيماً مُرعباً عند اي حركة
إهتزاز من رقبته ، ويكون رباط الجرس منسوج من الصوف بعناية وبالوان متعددة ،
ويشترط ان يكون عريضاً ليضفي مزيداً من الهيبة ، وحتى لا يؤذي رقبة المرياع . ومن
ثُقل الجرس وكِبر حجمه يضطر المرياع لحني رقبته كثيراً لدرجة ان مقدمة رأسه تكاد
تلامس الأرض ، فيُدمِن الإنحناء ، والخضوع ، والركوع ، والتبعية . كما يضاف الكثير
من الزخرفات والألوان الممزوجة المنسوجة من الصوف لتكتمل الضخامة والفخامة الزائفة .
راعي القطيع يكون لديه
حماراً او كُرّاً صغير الحجم مطواع للراعي ، يقتفي خطوات الراعي في المسير .
والمرياع يقتفي خطوات الحمار ، لا بل إن رأس المرياع يكون دائماً عند أسفل طرف ذيل
الحمار . ويسير القطيع بكامله وراء المرياع الملتصق بذيل الحمار ، دون اي إحتجاج
او اعتراض . والشاة التي تنحرف ولو قليلاً عن مسار القطيع ، يُعاجلها الراعي بضربة
غادرة قوية ب ( الخيزرانة ) ، حيث يستخدم الرعاة الخيزرانة لتأديب الشاردة من
القطيع لانها تؤدب ، دون ان تكسر عظماً . وتكون النتيجة تأديب الشارد من القطيع
دون أضرار كبيرة تحتاج لعلاج ، فمكان ضربة الخيزرانة يحمر جلد الشاة ، ولا يظهر
أصلاً لانه مغطى بالصوف للشياه او الشَعر للماعز .
مع كل الأسف المراييع
أعدادها محدودة جداً جداً جداً ، في عالم قطعان الماشية ، لأن كل قطيع لا يحتاج
الا الى مرياع واحد او إثنين مهما وصل عدد القطيع ، حتى لو وصل عدد القطيع الى (
٦٠٠ ) رأس من الأغنام والماعز . وأحياناً يخطط صاحب القطيع الى تربية مرياعين لانه
يحتاج الى مرياع مع قطيع ( الرَغَثْ ) وقطيع ( الجَلَدْ ) . ولمن لا يعرف ف (الرغث
) هو قطيع الأغنام التي توالدت في ذلك الموسم ، وقطيع ( الجلد ) هو قطيع الأغنام
التي لم تتوالد في ذلك العام.
أما المراييع البشرية
أعدادها كثيرة وكبيرة وعظيمة . حيث ان الأمر عكسي ، فقد يحتاج الراعي البشري
الواحد الى مئات بل ألوف المراييع البشرية .
ما أروع شكل المرياع
الحيواني ، وما أعظم هيبته . وما أبشع وأحط المرياع البشري وما أرذل وأخسّ
دوره.
وطني الحبيب حرام ان
يكون بين رجالاته مراييع . وطني بحاجة الى إنبعاث (( وصفي التل )) روحاً ، وعطاءاً
، وإنتماءاً ، ورجولة ، وإستقامة ، وإدارة ، وممارسة للولاية العامة . وطني حتى
ينهض من جديد بحاجة الى رجال مع تغييب دور المراييع . وطني بحاجة الى رجال
يشبهون الصقور أنفة ، وأصالة ، وهيبة ، وعِزة نفس ، وشممٌ ، وإباء .
ما أكثر المراييع في
بلدي الحبيب ، وما أكثر إستعراضاتهم عن طريق تصريحاتهم التي ( تغث ، وتغص ، وتغم ،
وتعل ) البال . قبل عقود كان عدد المراييع في بلدي محدود جداً مشابه لعددها مع الشلايا
، حيث الشلية الواحدة تحتاج الى مرياع او مرياعين ، أما الآن اصبح الأمر معكوساً
تماماً.
وطني الحبيب ليس بحاجة
الى مراييع . وطني بحاجة الى رجال أشاوس تطل هيبته بمجرد ذِكر إسمه ، وتحترم قبل
إطلال طلته الرجولية البهية