شريط الأخبار
صناعيون: نمو القطاع الصناعي يسهم باستقطاب الاستثمارات رئيس الوزراء يرعى احتفال يوم الصناعة الاردنية ويكرم 100 شركة الملك: ضرورة الالتزام بتنفيذ اتفاق إنهاء الحرب في غزة لتحقيق التهدئة ولي العهد ورئيس الوزراء السلوفيني: ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار كيف سيصبح شكل لوحات المركبات الحكومية والرسمية بعد التعديلات على نظام اللوحات الجديدة؟ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابط وجندي في رفح بأوامر أمريكية: جيش الاحتلال يعود لوقف إطلاق النار بعد غارات كثيفة على غزة نقيب المهندسين: نظام التخطيط والتنظيم الجديد خطوة نوعية نحو عمّان أكثر عدالة واستدامة حماس تنفي علاقتها بهجوم رفح.. والتزامها بوقف اطلاق النار الغضب يشتعل في شوارع أمريكا ضد سياسات ترامب..و7 ملايين يهتفون باقالته جيش الاحتلال يشن غارات عنيفة على جنوب غزة وتحريض اسرائيلي استئناف الحرب.. و“حماس” تؤكد التزامها بوقف النار السماح لكل عائلة قادمة من فلسطين بإدخال 5 تنكات زيت زيتون للاستخدام الشخصي مياهنا: صيانة في محطة زي توقف ضخ المياه عن 39 منطقة الجامعة الأردنية تحيل ملفات الطلبة المتورطين بالاحداث إلى المجلس التأديبي فتح تحقيق بوفاة حدث في المفرق نتنياهو يهدد: الحرب بغزة لن تنتهي الا بنزع سلاح حماس.. وسنبقى بجبل الشيخ السوري قطر: اعلان وقف فوري لاطلاق النار بين باكستان وأفغانستان مبادرة الحوار المجتمعي تستنكر المشاجرات الجامعية وتدعو لحلول متكاملة الغارديان: واشنطن وأوروبا تدفعان لتشكيل قوة دولية بقيادة مصر للسيطرة على الأمن في غزة ضبط 4 مركبات شاركت بإغلاق الطريق خلال فاردة زفاف

"اليوم التالي" في غزة إذ يبدأ الآن

اليوم التالي في غزة إذ يبدأ الآن

 

 


كتب: عريب الرنتاوي

سنضع أقدامنا على الأرض، بعد أن حلّق بنا دونالد ترامب خلال ساعات أربعٍ وعشرين حاسمة، على ارتفاعات شاهقة في السماء...سنلوذ بالسياسة الواقعية، بتعقيداتها وحفرها العميقة، وبما تستطبن من فرص وتحديات، بعد أن أمعن الرئيس الأمريكي في تقديم تصورات و"أحلام"، نابعة من نظرته لنفسه، من "الإيغو" الذي يسكنه، بوصفه صانع المعجزات، الذي وإن كان الأخير بزمانه، سيأتي بما لم تستطعه الأوائل، مع الاعتذار من "شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء"، الرجل الذي يستحق كل الثناء وكل الجوائز...هكذا هو ترامب، وهكذا نجح في إجبار قادة العالم على التعامل مع عُقَدِه (إن لم نقل أمراضه)، إن هم أرادوا الوصول إلى مفاتيح حلول لكثيرٍ من الأزمات، التي يحتفظ بها في جيبه.

من مطلع شمس الثالث عشر من أكتوبر، وحتى بعد مغيبها، قال الرجل كل شيء، لم يتوقف عن الكلام المباح وغير المباح، ولكنه لم يقل سوى جملة مفيدة واحدة، مهّد لها كثيراً، بما يلزم وما لا يلزم في "اللغو" و"الثرثرة"، من على منصة الكنيست وقمة "الشرم"، وحتى على متن الـ"Air Force one": الحرب على غزة انتهت، وهي جملة انتظرها الفلسطينيون بصبر ناءت به الجبال، وثبات وصمود عزّ نظيريهما، وبقوائم لا حصر لها، من التضحيات الجسام.

ومن دون التقليل من "تاريخية" وقف حرب التطهير والترويع والإبادة، فإن وعود سلام منتظر منذ ألفيات ثلاث، وسيستمر لأبد الآبدين، ويمتد من شرق المتوسط إلى ضفاف قزوين، لم تجد من يشتريها، فليس فيما قال أو ألمح، ما يشي بأن الرجل يمتلك "رؤية" و"خطة استراتيجية" و"برنامج عمل"، تُملّك وعوده المنثورة بغزارة، الأقدام التي تسير عليها، والأذرع التي تجذف بها، كلام ليل قد يمحوه الصباح، وأحلام كأحلام أهل غزة، تذروها رياح وغبار منازلهم المدمرة، وهم يتفقدونها لأول مرة، منذ أن انطلقت "عربات جدعون"، تعيث تدميراً وتقتيلاً وخراباً في أرض غزة وما (ومن) عليها.

 

نهاية حرب أم نهاية جولة

الحرب انتهت، عبارة كررها ترامب مرات عدة، ووجد بنيامين نتنياهو نفسه مرغماً على ترديدها من ورائه، ومن على منصة الكنيست، وبحضور ستموتريتش وبن غفير (وتصفيقهما)، بعد أن فقدت تل أبيب زمام قرارها، واشتدت حبال واشنطن حول عنقه، وبات القرار بشأن الحرب والحل والسلام، يصنع في الولايات المتحدة، متخففاً من "الرسوم الجمركية" المرتفعة، المفروضة على السلع والمبادرات المستوردة، حتى وإن كان بلد المنشأ: إسرائيل.

الحرب انتهت، وتلكم حكاية سعيدة، تهبط على عقول الفلسطينيين وقلوبهم وضمائرهم، برداً وسلاماً، برغم آلام الفقد وعذابات التهجير المتكرر في وطنهم، وصور المدائن التي تحولت إلى خرائب...الحرب انتهت، ولن تستأنف يومياتها، التي خبرها الفلسطينيون على امتداد عامين ويومين...مع أن كثرة الفلسطينيين في قرارة أنفسهم، يعرفون أنها لن تكون آخر الحروب، وأن ما انتهى فعلياً، هو أخطر وأطول وأعنف جولة من جولاتها.

ثمة "نوايا حسنة" عند بعضٍ أو كثيرٍ ممن أمّوا "شرم الشيخ"، ليكونوا شهوداً على "يوم تاريخي"، بعضهم جاء سعياً لاسترضاء ترامب، وليظهر في خلفية "الصورة التاريخية"، وبعضهم جاء كما لو أنه "وسيلة إيضاح" كتلك المعمول بها في المدارس الابتدائية، لتظهير نجاحات الزعيم الأقوى، في إطفاء نيران "سبعة حروب"، وليكون شاهداً على إطفاء النيران التي ظلت متّقدةً لأطول حرب وأصعب حرب، بعضهم جاء ليستكمل مهمة، انخرط فيها منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر، وعمل عليها، مباشرة كما في حال "ثلاثي الوساطة"، أو الدول العربية والإسلامية الداعمة له، ولا ندري أن كانت بعض نسائم هذه النوايا، قد تسربت لقلب وعقل وضمير زعيم الدولة الأعظم.

وثيقة السلام والازدهار التي مهرها الوسطاء الأربعة، ليست أكثر من إعلان نوايا، فضاض، ومن تمعن في قراءتها، لحظ بلا شك، أن ثمة جهوداً كبيرة، قد بذلت لإخراجها على الصورة التي خرجت بها، مرضيةً لكل الأطراف، الحاضرة والغائبة عن احتفالية شرم الشيخ، وتثير تحفظات كل الأطراف في الوقت ذاته. اقترن رفض التطرف فيها بفرض العنصرية، وحين ترد هذه الكلمة، في أي وثيقة أو محفل، ليس من مرادف لها سوى إسرائيل. تحدثت عن مشترك آمن ومزدهر للجميع، في إشارة للفلسطينيين كذلك، وحثت على البناء على إرث السلام الإبراهيمي، دون أن تسميه باسمه.

"طوفان التصريحات والخطابات المطوّلة" الذي أغرق به ترامب المنطقة، وأصم مسامع أهلها وقادتها، خلا من الجملة المفتاحية: إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة. خلا من الإشارة لحل الدولتين، ولم يأت على ذكرها سوى مرة واحدة، في معرض النفي وليس المصادقة، وكقضية لاحقة لا تحتل صدارة جدول أعمال الإقليم والعالم...ردّ إسرائيل المتنكر للحق الفلسطيني، لم يرد على لسان نتنياهو وصحبه من اليمين الفاشي فحسب، بل جاء على لسان يائير لبيد، حمامة السلام، الذي قال أن العرب لم يقرأوا أهم تقرير استخباري إسرائيلي، سفر التكوين، الذي جعل "أرض الميعاد" وطناً خالصاً موهوباً لـ"شعب الله المختار".

وكان لافتاً، أن كل فعلٍ من "الأفعال الحميدة" التي استذكرها نتنياهو في خطابه الترحيبي المطول بـ"أعظم صديق حظيت به إسرائيل"، كان سبباً في تعميق وتأبيد حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وأنها جميعها، متظافرة، كانت من بين محركات "طوفان الأقصى" بعد أن سُدت السبل في طريق التسويات والحلول والدبلوماسية.

الاعتراف بالقدس "عاصمة أبدية موحدة" لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، الاعتراف ببسط السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. الاعتراف بحق إسرائيل في احتلال "يهودا والسامرة" واستيطانها، بوصفها جزءاً من أرض إسرائيل وموطنها الأول...التصدي لطوفان التضامن العالمي مع غزة، وتسونامي الاعترافات بالدولة وسيل الإدانات الجارف للتوحش الإسرائيلي، وتعطيل إرادة المجتمع الدولي والمنتظم الأممي اللذان يقفان على الضفة الأصح من التاريخ...والحقيقة أن كل فعلٍ من هذه الأفعال، كان سبباً مباشراً، في تعقيد الأزمة وتدمير فرص الحل...كل واحدٍ منها، يُعدُّ افتئاتاً على التاريخ والحق والقانون الدولي، يودي بصاحبه إلى "لاهاي"، حيث المحكمة، وليس إلى أوسلو حيث الجائزة.

 

اليوم التالي بدأ الآن

بين أيدينا وثيقتان، مبادرة العشرين بنداً ووعد السلام والازدهار في شرم الشيخ، وكلتاهما بالكاد تصلحان لمعالجة ملف الحرب على غزة، بتطوراته وتداعياته، دع عنك حكاية السلام الأبدي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن باب أولى، دع عنك السلام بين تل أبيب وطهران، بخلاف ذلك، ليس لدينا أي شيء صلب، يمكن أن نقف فوقه، أو أن نبني عليه.

مبادرة ترامب، التي تكاد تكمل مرحلها الأولى، يحتاج كل بند منها، إلى جولات وصولات من التفاوض. غموضها سِرُّ قبولها "المشروط والمتحفظ" من الأطراف، وما جاء فيها بخصوص القضية والسلطة الفلسطينيتين، إنما استحدث لاسترضاء "مجموعة الثمانية"، العربية-الإسلامية، وهو بالقطع، لا يؤشر إلى أي عنصر من عناصر الحل النهائي، وغابت عنه "المرجعيات الدولية" المتفق عليها للحل الدائم والشامل، ولم يشر إلا على نحو خجول ومشروع، لطموح الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة، وعودة مشروطة بإصلاح على مقاس "دفتر الشروط" الأمريكية الإسرائيلية، للسلطة إلى دورٍ ما في قطاع غزة، هذه ليس قواعد لسلام مستدام، بل ولا تصلح مدخلاً لتفاوض جديد.

الفلسطينيون ومقاومتهم، قبلوا بالخطة، أو بالأحرى أهدوا موافقتهم – مكرهين - على بندين منها لدونالد ترامب شخصياً: الأسرى والخروج من حكم غزة، لكن ماذا عن بقية الملفات، ماذا عن "قوة الاستقرار الإقليمي"، ماذا عن سلاح المقاومة ومصير مقاتليها وقادتها، ماذا عن "اليوم التالي"، من يحكم غزة، وكيف تحكم، وهل ثمة انتداب غربي جديد على هذه البقعة من فلسطين، كيف ستسير عمليات الإغاثة والتعافي المبكر وإعادة الإعمار، وإلى أي مدى سيجري توظيفها لتحقيق أغراض الحرب كما رسمتها تل أبيب، وبدعم كامل من البيت الأبيض؟

أياً يكن من أمر، فإن "اليوم التالي" للحرب على غزة، قد بدأ بالأمس، عندما انتهت صفقة تبادل الأسرى، وقبلها بساعات، عندما انسحب جيش الاحتلال من نصف القطاع (يقال أن الانسحاب الفعلي كان أكبر من ذلك)، وعندما بدأت أجهزة الحكم في غزة، باستئناف مهامها المعتادة، بالحدود الممكنة، سيما في ساحة حفظ الأمن وضبط فلتان العصابات والعملاء والمليشيات "اللحدية" المتعاونة مع العدو.

هي إجراءات مؤقتة، لا ندري إن كانت ستستمر وإلى اي مدى، وكيف، وكان لافتاً أن ترامب على متن طائرته الرئاسية، قال إنه يعلم بما يجري، وأنه أصدر "الإذن" بذلك، بوصفه ترتيباً مؤقتاً لمنع الفوضى وحفظ الأمن، لا أدري إن كان صادقاً، أم ساعياً لتفادي الحرج، بعد أن ذكر سلسلة من الأرقام المتناقضة حول قتلى حماس، تارة جعلهم 80 ألف مقاتل، وأخرى 60 ألفاً، لا قيمة للرقم ولا لعلم الإحصاء و"الداتا" عند ترامب، فالرجل يصدر عمّا يجول في خاطره، وبما يخدم هدفه في تلك اللحظة بالذات.

لكن الإجراءات الميدانية العاجلة التي بادرت إليها المقاومة في غزة، لا تعفيها من السعي الحثيث والفوري للإجابة على أسئلة المرحلة المقبلة، الأكثر حساسية وخطورة – ربما – منذ انطلقت حماس قبل أربعة عقود، فاليوم التالي بدأ، والصراع على ملامحه، بدأت مبكراً، وآن أوان تقديم الأجوبة على الأسئلة المطروحة، سيما وأن الحبل الذي طوّق به ترامب عنق نتنياهو، يماثله حبل آخر يطوق عنق المقاومة وقيادتها، فلا أحد لديه "ترف" القدرة على التحرك والتصرف، بمعزل عمّا يحيط به من معادلات وقوى ومواقف ومصالح وأولويات متضاربة.

وتنقسم أسئلة اليوم التالي إلى نوعين، مباشر وعلى المدى الطويل...نحن نعرف اليوم، أن قرار حماس بالخروج من حكم غزة، قرار نهائي، سابق لمبادرة ترامب و"عربات جدعون" بمرحلتيها، فكيف سيجري التعامل مع أجهزة "حكومة الأمر والواقع" ومؤسساتها، وهل مصيرها الدمج بمؤسسات الحكم الجديد، كلياً أو جزئياً، أم الإقصاء و"العودة للمنازل"؟ ما مصير سلاح المقاومة، "تجميد"، تسليم لجهات عربية، وكيف ستتعامل مع فكرة التمييز بين "هجومي" وآخر "دفاعي"، كيف تنظر الحركة لمشاريع "تدويل" الأمن والإدارة في غزة، وهل الموقف التاريخي-التقليدي من مسألة "التدويل" ما زال صالحاً، سيما وأن التدويل هذه المرة، يستبطن "أسلمة" و"تعريباً" بوجود مشاركات عربية وإسلامية في "قوة الاستقرار الدولية"؟

أسئلة بحاجة لمزيد من "العصف الذهني" الذي يتعين على فصائل المقاومة الانخراط فيه بكثافة، من دون أن يقتصر على قادتها وكوادرها، إذ يتعين إشراك أوسع مروحة من الشخصيات والمفكرين والناشطين، في ورشات التداول والتذاكر والمداولة.

ثم كيف تفكر حماس، ومعها بقية الفصائل، على المديين المتوسط والبعيد، سيما وأن التقديرات جميعها، تذهب باتجاه منع الحرب، واستتباعاً، المقاومة المسلحة، لعقود وربما أجيال قادمة، من غزة على وجه التحديد، كيف سيكون مصير الأذرع العسكرية للفصائل، وهل حان الوقت للفصل بين السياسي والمقاتل منها، هل يمكن التفكير بجيش جمهوري فلسطيني، وشين فين فلسطينية؟

مؤسف أن فصائل المقاومة تجد نفسها مرغمة على تقديم إجابات على هذه الأسئلة، فيما أبواب المصالحة والوحدة والمنظمة، موصدة بإحكام، حيث ما زال "القوم" في رام الله على رهاناتهم بإخراج المقاومة من الجغرافيا والسياسة والمؤسسات، بسيف الشروط المُذلّة التي يراد فرضها عليها، ضاربين عرض الحائط، بالتعددية الفلسطينية وميثاق المنظمة ونظامها، لكأنها يجدون ضالتهم في إعادة انتاج "الكل الفلسطيني" على صورتهم وشاكلتهم.

وإن كانت مشاركة الرئيس عباس في قمة شرم الشيخ، قد عُدّت فلسطينياً، خبراً حسناً، إلا أن غالبية الفلسطينيين، كانت تتمنى أن يحضر هناك، بوصفه ناطقاً باسم "الكل الفلسطيني"، ورسولاً للإجماع والوحدة، لا مكتفياً بـ"خاتم رسمي"، بات يستمد "شرعيته" من دونالد ترامب ودفتر الشروط الإسرائيلية.

هنا نفتح قوسين، لنوجه رسالة لمجموعة الثمانية وثلاثي الوساطة: كما فعلتم ما بوسعكم لوقف المقتلة، تبدو مهمة الضغط على السلطة والرئاسة للجنوح لخيار المصالحة واستعادة الوحدة، أمراً بالغ الأهمية، فالمرحلة المقبلة، لا تحتمل تصفية الحسابات، ولا التصيّد لاقتناص فرص الإلغاء والإقصاء.