شريط الأخبار
انتشار الحشرات يعطل مدرسة 3 أيام في الزرقاء الملك يجتمع بمسؤولين وممثلين عن قطاع الصناعة ويدعو لفتح أسواق جديدة جيش الإحتلال يعزّز الجبهة الشمالية وحزب الله يعيد تموضعه في العمق اللبناني مشهد ما قبل (ولحظة ما بعد) التحولات في حزب العمال البريطاني - الحلقة الأولى الملك يؤكد لبي بي سي ان القوات الدولية بغزة يجب ان تكون لحفظ السلام لا فرضه بحر الصين الجنوبي يبتلع طائرتين للبحرية الأميركية خلال نصف ساعة الرئيس الفلسطيني يصدر إعلانا دستوريا يمهد انتقال الرئاسة لنائبه حسين الشيخ الملك يبحث توسيع التعاون الدفاعي مع رئيس الأركان الباكستاني عاجل فوز خميس عطية بمنصب النائب الاول لرئيس "النواب" "منع ضم الضفة" خدعة لتمرير التطبيع نداء عاجل من اليونيسف: نسابق الزمن لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة مجلس النقباء: خطاب الملك مصدر فخر وبيان رؤية واضحة لمستقبل الأردن الجغبير: قلق جلالة الملك نداءُ نهضةٍ ومسؤولية وطنية مضاعفة بعد فوزه بالتزكية رئيسا للنواب.. القاضي: البرلمان أمام استحقاقات وتحولات تاريخية صعبة الملك: اقلق لكنني لا اخاف إلا الله ولا اهاب شيئا وفي ظهري أردني فريق مصري يدخل غزة للبحث عن جثث الاسرائيليين العيسوي: الأردن يمضي في "معركة التحديث" لترسيخ دولة الشفافية وكفاءة المؤسسات الأونروا: مواد الإيواء والشتاء موجودة بمخازننا في الأردن ومصر وتحظر اسرائيل دخولها لغزة "هيومن رايتس" تدعو إسرائيل للامتثال لقرارات "العدل الدولية" وادخال المساعدات لغزة "التمييز" تنقض الحكم بإدانة وحبس نائب

المسيحية الغربية المتصهينة لا تمثّلنا: المشرق حارس الرسالة وأصل الإيمان

المسيحية الغربية المتصهينة لا تمثّلنا: المشرق حارس الرسالة وأصل الإيمان

 


د. طارق سامي خوري

 

من الخطأ التاريخي والمنهجي وصف الإمبراطورية الرومانية بأنها كانت "مسيحية”، إذ إن هذا الكيان السياسي، في مراحله الكلاسيكية، كان وثنيًّا في طقوسه وهويته ومؤسساته. فقد استمدّت روما منظومتها الدينية من التراث الإغريقي ومن موروثات محلية، وأقامت شرعية سلطتها على فكرة "الألوهية الإمبراطورية”، أي تقديس الحاكم بوصفه ممثّلًا للآلهة على الأرض.

 

في هذا الإطار، شكّلت المسيحية الناشئة خطرًا عقائديًا وسياسيًا على البنية الرومانية، لأنها رفضت عبادة الأباطرة ودعت إلى ولاءٍ روحي لا يرتبط بالسلطة الزمنية. ولهذا السبب، شهدت القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد أشدّ فترات الاضطهاد ضد المسيحيين، لا سيما في عهد نيرون ودقلديانوس، حيث اعتُبرت المسيحية حركةً تخريبية تمسّ الأمن الديني والسياسي للإمبراطورية.

 

لكن التحوّل الجوهري جاء في القرن الرابع الميلادي حين أعلن الإمبراطور قسطنطين الكبير اعتناقه للمسيحية. لم يكن ذلك تعبيرًا عن قناعة روحية عميقة بقدر ما كان خيارًا سياسيًا لاستيعاب الدين الجديد وتوظيفه في خدمة السلطة. بهذا القرار، انتهت فعليًا مرحلة الإمبراطورية الرومانية الوثنية، وبدأت مرحلة جديدة في الشرق تُعرف باسم الإمبراطورية البيزنطية، التي ورثت الجغرافيا والسياسة الرومانية لكنها حملت هوية مسيحية شكلاً، دون أن تتخلّى عن جوهر السيطرة الإمبراطورية.

 

وهكذا، لم يكن التحوّل من روما إلى بيزنطة تحوّلًا إيمانيًا، بل انتقالًا في أدوات الهيمنة؛ من تعدّد الآلهة إلى احتكار الحقيقة باسم الإله الواحد، ومن عبادة الأباطرة إلى عبادة السلطة باسم الدين. ومع مرور الزمن، أصبحت المسيحية الرسمية أداةً لضبط الشعوب لا لتحرير الإنسان كما بشّر المسيح.

 

ومع سقوط روما الغربية وصعود بيزنطة، تمركزت القيادة المسيحية في الشرق، في مدنٍ مثل أنطاكية والإسكندرية والقدس والقسطنطينية، حيث وُلد الفكر اللاهوتي الأصيل. لكن هذا التوازن لم يدم طويلًا, فبعد الانقسام بين الشرق والغرب، سقطت القسطنطينية عام 1453، وانتقلت القيادة الروحية والسياسية للمسيحية إلى أوروبا الغربية، التي أعادت صياغة الدين بمنطقٍ سلطوي يخدم تمدّدها الاستعماري.

 

عندها بدأت عملية "غربنة المسيحية”، أي نزعها من جذورها المشرقية وتفريغها من بعدها الإنساني والعدالوي. أُعيدت قراءة النصوص بروحٍ تبرّر القوة والغزو تحت مسمّى "نشر الإيمان”، ثم تحوّل هذا اللاهوت لاحقًا إلى غطاءٍ أيديولوجي للمشاريع الاستعمارية من الحروب الصليبية حتى العصر الحديث.

 

المسيحية المتهوّدة: من الرسالة إلى الأداة

 

في القرنين التاسع عشر والعشرين، ومع صعود الفكر البروتستانتي المتأمرك، حدث انقلاب لاهوتي جديد, فالمسيحية الغربية لم تكتفِ بالاستلاب من المشرق، بل خضعت أيضًا لعملية تهويد ممنهجة عبر ما عُرف بـ "المسيحية الصهيونية”. تمّ في هذا الإطار دمج النصوص الإنجيلية بتأويلاتٍ توراتية، وإحياء فكرة "شعب الله المختار” وتطبيقها على اليهود، في تبريرٍ دينيٍّ لقيام "الكيان الصهيوني” واحتلال فلسطين.

 

علمًا بأن المسيح، الذي واجه قوى الظلم بوضوح، هاجم اليهود المقاومين لرسالته بقوله:

«أنتُم أَولادُ أَبيكُم إِبليس تُريدونَ إتمامَ شَهَواتِ أَبيكم. كانَ مُنذُ البَدءِ قَتَّالًا لِلنَّاس ولَم يَثبُتْ على الحَقّ لأَنَّه ليسَ فيه شَيءٌ مِنَ الحَقّ. فَإِذا تكَلَّمَ بِالكَذِب تَكَلَّمَ بِما عِندَه لأَنَّه كذَّابٌ وأَبو الكَذِب» (يوحنا 8: 44).

 

ومن الضروري أن يدرك أبناء المشرق، مهد المسيحية، وشعوب العالم أن المسيحية الغربية المتصهينة لا تمثّل المسيحية الحقيقية، ولا تعبّر عن مسيحيّي الأرض التي وُلدت فيها الرسالة. فشتّان بين مسيحيةٍ تُبشِّر بالحق والكرامة، وأخرى تُسخَّر اليوم لخدمة الاحتلال والهيمنة.

 

بهذا، تحوّلت المسيحية الغربية من رسالة خلاصٍ إنساني إلى أداة سياسية تخدم المشروع الصهيوني، وأصبح اللاهوت يُستخدم لتبرير الظلم، والإنجيل يُفسَّر بروح التوراة لا بروح المسيح.

 

لقد سُلبت المسيحية من المشرق، ثم سُلبت من ذاتها، حين تخلّت في الغرب عن قيم الحق والعدالة لصالح منطق القوة والتحالف مع الاحتلال. أمّا في منطقتنا، فبقيت المسيحية المشرقية، رغم ضعفها العددي، تحمل جوهر الإيمان الأول: المسيح الفلسطيني المقاوم الثائر، ابن الأرض، الذي دعا إلى الحقّ والعزّ والكرامة لا إلى الخضوع، وإلى الإنسان الثائر لا إلى السلطان… وهو من طرد اليهود من الكنيسة مخاطبًا إيّاهم: «إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ، وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». بتلك العبارة أعلن المسيح ثورته ومقاومته للّصوص اليهود الذين طغوا فسادًا وظلمًا، فتصدّى لهم بكلّ ما أوتي من قوّة وصرامة لانحرافهم وفسادهم.

 

خلاصة فكرية: المشرق مركز الرسالة والمعنى

 

إن استعادة المشرق لدوره التاريخي والروحي لا تعني مجرّد حماية وجودٍ مسيحي أو ثقافي، بل استعادة جوهر الرسالة الإنسانية التي وُلدت على هذه الأرض. فالمسيحية المشرقية لم تكن يومًا طقوسًا أو مؤسسات، بل كانت صرخة حرية في وجه الإمبراطورية، ورسالة كرامة في وجه الاحتلال ومشروع الانتماء.

 

ومن هنا، يصبح التحدّي اليوم هو تحرير المسيحية من التهويد كما يجب تحرير فلسطين من الاحتلال؛ فهما وجهان لعدوانٍ واحد على الوعي الإنساني. حين يعود المشرق مركزًا للفكر والروح، لا تابعًا للاهوت القوة الغربي، عندها فقط تعود المسيحية إلى ذاتها ويعود الإنسان إلى إنسانيته.