قوانين استيراد السيارات تهدد سوق المركبات في المناطق الحرة الأردنية
المهندس نبيل
إبراهيم حداد
مستشار الهندسة
والصناعة وإدارة المشاريع
عادةً أنشر مقالاتي كل
يوم خميس، لكن نظرًا لخطورة هذا القرار الجديد وتأثيراته العميقة، وجدت من الضروري
نشر هذا المقال بشكل عاجل. فالقرار الحكومي معمول به منذ فترة، لكن تطبيقه سيبدأ
في الأول من نوفمبر، ما يترك وقتًا قصيرًا جدًا للتجار والمعنيين للاستعداد أو التكيف.
لقد أحدث القرار
الحكومي الأخير، الذي يقضي بمنع استيراد السيارات غير المطابقة للمواصفات
الأوروبية أو الأمريكية أو الخليجية، صدمة كبيرة في قطاع السيارات الأردني، وخاصة
بين تجار المناطق الحرة. فبينما قد يكون الهدف من القرار هو التوافق مع المعايير العالمية،
إلا أنه في الواقع وجّه ضربة قوية لسوق مهم وراسخ خدم على مدى سنوات طويلة ليس فقط
المواطنين الأردنيين، بل أيضًا دول الجوار في المنطقة.
على مدى عقود، كانت
المناطق الحرة في الأردن تعمل كمراكز منافسة وفعّالة لإعادة تصدير السيارات، تزود
أسواق العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من الأسواق الإقليمية بالمركبات. وقد وفرت هذه
المناطق تنوعًا ومرونة وأسعارًا مناسبة للمشترين المحليين والإقليميين الذين
اعتمدوا عليها للحصول على خيارات واسعة وأسعار عادلة. أما اليوم، فإن هذا السوق
الموازي يواجه خطر الاندثار. فالتجار يرون استثماراتهم تتهاوى، والمواطنون سيجدون
أنفسهم تحت رحمة عدد محدود من الوكالات الكبرى التي ستتحكم قريبًا بالأسعار والعرض.
وإذا تم تطبيق هذا
القرار في الأول من نوفمبر كما هو مخطط، فسيكون من الصعب استمرار المناطق الحرة في
جذب التجار الإقليميين، إذ يمكنهم بسهولة نقل أعمالهم إلى دول أخرى تقدم بيئة
تنظيمية أكثر مرونة وانفتاحًا. وخسارتهم ستؤدي إلى تراجع حاد في النشاط الاقتصادي
والإيرادات الجمركية وفرص العمل، ليس فقط في المناطق الحرة بل في الاقتصاد الوطني
بأكمله. آلاف العمال وعائلاتهم سيفقدون مصادر رزقهم، مما سيزيد البطالة والضغوط
الاجتماعية في بيئة اقتصادية تعاني أصلًا من التحديات.
على الأردن أن يتذكر أن
عالم الأعمال اليوم عالمي وسريع الحركة، ولا يمكنه أن يعزل نفسه بسياسات تقييدية
تخدم مصالح ضيقة.
نقطة أخرى مهمة تتعلق
باستيراد السيارات ذات التصنيف "سالفج" (salvage) التي تسعى الحكومة الآن إلى تقييدها. يجب أن يُفهم بوضوح أن تصنيف
"سالفج" يُمنح عادة لأن تكلفة إصلاح الأضرار في السيارة تكون مرتفعة
مقارنة بقيمتها السوقية، مما يدفع شركات التأمين إلى بيعها بهذا التصنيف. ومع ذلك،
فإن هذا لا يشمل السيارات التي تعرضت للغرق أو الدمار الهيكلي الكامل.
وقد استوردت العديد من
الدول، بما في ذلك الأردن، سيارات "سالفج" لسنوات عديدة دون تسجيل أي
حوادث أو مشكلات سلامة تُعزى مباشرة إلى هذا التصنيف. فمع تطبيق فحوص دقيقة
ومعايير إصلاح واضحة، يمكن لهذه السيارات أن توفر حلولًا ميسّرة للمواطنين دون
المساس بمعايير السلامة أو الأداء.
كما أن الإصرار الحكومي
على تطبيق "المواصفات الأوروبية" يثير التساؤلات، خاصة وأن دولًا مثل
الصين أصبحت اليوم تنتج سيارات – وخصوصًا الكهربائية والهجينة – أكثر تطورًا
وأمانًا وصداقة للبيئة من كثير من السيارات الأوروبية. لذلك، لا يبدو منطقيًا رفض
هذه السيارات بحجة "عدم المطابقة".
بدلًا من فرض إجراءات
مفاجئة ومقيدة، يجب على الحكومة تعليق تنفيذ القرار لمدة عام واحد على الأقل،
لإتاحة حوار جاد بين جميع الأطراف المعنية: الحكومة، والوكالات، والتجار، والمستهلكين.
يمكن حينها التوصل إلى حل عادل ومتوازن يحمي جودة المنتجات ويضمن في الوقت ذاته
استدامة الاقتصاد.
ينبغي على وكلاء
السيارات التقليديين أن يسعوا للتنافس من خلال الابتكار وتحسين الخدمة والأسعار
العادلة، لا عبر قوانين مصممة لمصلحتهم الخاصة. وقد بدأنا نرى بالفعل بعض التجار
التقليديين يتجهون إلى عقد شراكات مع الشركات الصينية المصنعة للسيارات. فاقتصاد
الأردن يعتمد على المنافسة والانفتاح والتكامل الإقليمي، لا على الاحتكار أو
الحمائية.
إذا استمر تطبيق هذه
السياسة دون تعديل، فإنها قد تدمر قطاعًا حيويًا خدم الأردن والمنطقة لعقود. لذلك،
يجب على الحكومة أن تعيد النظر بسرعة قبل أن تقع أضرار لا يمكن إصلاحها.
تنويه: الآراء الواردة
في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لأي
جهة أو مؤسسة يرتبط بها.

























