شريط الأخبار
سمارة يعرض مشاريع أعمار واغاثة غزة خلال المؤتمر الدولي للمانحين لماذا يعاني الاردنيون: 50% منهم أجرهم يساوي او أقل من الحد الأدنى للاجور تزايد مخالفات السير بعد "العفو" تنشر "كوابيس اليقظة" بين المواطنين ماساة جديدة.. مركز رعاية يحبس طفلا بين "النافذة والحماية" 8 ساعات يوميا ولي العهد يتابع سير العمل في مشاريع واستراتيجية سلطة العقبة ذبحتونا: دمج وزارتي التربية والتعليم العالي تمهيد لخصخصة الجامعات الرسمية عطلة رسمية بعيد الاستقلال "الاسد المتاهب 2024" ينطلق بمشاركة امريكية وعربية واسعة اول عملية قلب مفتوح من نوعها بوزارة الصحة لطفل بمستشفى الحسين السلط #لا_لإغلاق_اليرموك.. وسم يتصدر منصات التواصل 4 قتلى صهاينة بمعارك شمال غزة وقصف طوسب المدى لبئر السبع “حماس” تعلن رسميًا افشال نتنياهو لمبادرات تبادل الأسرى.. وتدرس تغيير استراتيجيتها مسيرات اردنية واسعة تضامنا مع غزة وتنديدا بحرب الابادة ثورة اميرية في الكويت.. حل مجلس النواب قبل حلفه اليمين وتوعد باجتثاث الفساد الشبول: السرطان ثاني مسبب للوفاة عالميا ولابد من خفض نسبة التدخين والسمنة في المملكة "عامة الاطباء" تطالب بالافراج عن المعتقلين السياسيين في التحضير لليوم التالي لطوفان الاقصى...الى العشيرة در! الوطنية لحقوق الإنسان” تنتقد "تراجع" الحقوق والحريات العامة تبادل كثيف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله المرصد العمالي: انخفاض الاحتجاجات العمالية 45% العام الماضي

القفز الى فم الموت: سيرة طبيب متطوع بالحروب

القفز الى فم الموت: سيرة طبيب متطوع بالحروب

 


ماجد توبه

ما الذي يدفع طبيبا جراحا مرموقا، في بحبوحة من العيش ويحتل منصبا مهما في بلد غني، الى المسارعة كلما حدثت حرب او كارثة طبيعية، للتطوع للذهاب الى حيث الدمار والقصف والقتل وحيث لا قهوة في استرخاء صباحي ولا حمام ماء ساخن.. وتقشف في الطعام، ناهيك عن البعد عن الزوجة والابناء والاهل.

هذا هو السؤال المركزي الذي يدور في راسك وانت تقرأ للدكتور زياد محمد الزعبي كتابه الذي وثق فيه لتطوعاته في عدة حروب وكوارث، والذي حمل عنوان "حروب وزلازل وزعماء"، فكأن هذا الطبيب الذي حقق لذاته تطورها العلمي والمهني.. ونال رغد العيش في الامارات العربية منذ تخرجه من مصر في منتصف السبعينيات، ظل يبحث عن امر يرضي هذه الذات، المتمردة على الطبيعي والعادي في الحياة.

الجميل في الموضوع، ان الكاتب الزعبي، وهو نقيب الاطباء الاردنيين اليوم، لا يجيبك عن السؤال السابق، فهو يكتفي بالحديث مباشرة ودون تكلف عن كل قراراته بالتطوع والقفز الى "فم الحوت" وكانه يتحدث عن قراره بالذهاب الى رحلة استجمام او تلبية لدعوة على غداء، وكانه يقول ان الامر الطبيعي هو ان اتطوع واذهب الى منطقة الحرب او الكارثة دون تفكير او حسابات ما.

منذ فترة دراسته للطب في الجامعة بمصر، التي بدا فيها الدراسة بعد نكسة حزيران، اصر على ان يتطوع رعم انه طالب في سنته الاخيرة، مع مجموعة اطباء كبار في حرب اكتوبر 1973، وان يشارك في سينا بعلاج جرحى الجيش المصري. لم يغضبه من الحرب في اولها سوى انهم اجلوا الامتحانات النهائية لاشعار اخر، لكنه نسي غضبه وزعله عندما واتته الفرصة ليقدم الخدمة الطبية والعلاجية لابطال الجيش المصري، الذي انقلب نصرهم الكاسح بالبداية الى حصار واستنزاف للجيش الثالث المصري وتفريطا من القيادة السياسية بكل ما تحقق من تحرير على الارض.

الزعبي، الذي غزا الشيب شعره اليوم، لم يقدم في كتابه سيرة ذاتية ولا عملا روائيا، سبق وان اقدم عليه برواية سابقة، لكنه قدم – كما يقول هو نفسه- سردية بين الطب والسياسة لطبيب متطوع.

هذا الطبيب الجراح، المتخصص في العظام والعامود الفقري، لم يكن يفوت حربا ولا كارثة الا وتطوع للذهاب الى مكانها سريعا ودون تفكير طويل، وكان هذا هو الامر الطبيعي في هذه الحالات، وحتى في العدوان الاسرائيلي اليوم على غزة بادر رغم كبر سنه الى تسجيل اسمه بين المتطوعين الراغبين باداء الواجب في غزة.

نحو ثلامائة صفحة من القطع المتوسط، تنتقل بالقاريء باسلوب رشيق وسردي ادبي الى اجواء حرب اكتوبر، فتختلط السياسة بالطب وحديث القومية بالتاريخ، لينتقل بك بعدها الى بضعة حروب وتحرشات اسرائيلية "صعيرة" تعرض لها لبنان في السبعينيات وصولا الى حرب بيروت 1982، التي توجت بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان. يقدم لك الزعبي وهو يحاول حصر نفسه بالعمل بالمستشفى وعلاج جرحى الحرب وجبة مما كان يدور من نقاشات واحداث في تلك الفترة.

عندما تصمت المدافع لا يصمت نزوع الزعبي للتطوع والقفز الى مكان الخطر، تاركا مستشفاه وحياته الرغدة في الامارات، هذا ما فعله عندما تعرضت ارمينيا لزلزال مدمر، وكذلك عندما تعرضت مدينة الاصنام بالجزائر لزلزال مدمر في الثمانينيات ليجد نفسه هناك بين ما خلفه غضب الطبيعة من دمار وموت.

وفي حروب الخليج اكتفى الزعبي بالتحضيرات والاستعدادات ووضع خطط الطواريء لما يمكن ان تتطور اليه الحرب، ثم ذهب متطوعا لعلاج جرحى وضحايا حروب اليمن وما خلفته من ماس.

 ثم جاءت الابادة في سراييفو والبوسنة والهرسك، فيجد نفسه في معمعان علاج جرحاها، ليكتشف ان الاقسى من علاج الجروح والكسور هو علاج النفسيات لمن اغتصبن او اغتصبت قريباتهم امام اعينهم.

كما خصص الزعبي فصلين لزلزال سورية وتركيا عام 2023 ، والعدوان الاسرائيلي على غزة متناولا ما يسمى بطب الحروب والكوارث، الذي بات تعميمه والتوسع فيه مهما وحيويا. كما تطرق الزعبي في كتابه الى علاجه لعدد من الزعماء العرب منهم القذافي وغيره.

كثيرة هي الاحداث والنوادر والمفارقات التي تناولها الدكتور الزعبي في كتابه القيم، يصعب استعراضها كلها في هذا المقام، لكن وجب المرور على بعضها، فالرجل وضع على قائمة الاغتيال في لبنان رغم انه كان متطوعا يعالج المرضى اللبنانيين ومن المقاومة الفلسطينية، فقط لانه ناقش برأي سياسي لم يعجب احد النافذين، فقام اصدقاء الزعبي من اطباء فلسطينين ولبنانيين بتهريبه من المستشفى الى مكان بعيد وامن.

وفي حالة شبيهة، حرص اطباء وسياسيون يمنيون على سفر الزعبي وقطع مهمته التطوعية بعلاج جرحى الحرب بعد غضب الكثير من اليمنيين مما قالوا انه مشاركة طيارات اردنية بالقصف مع التحالف السعودي.

اما الاكثر اثارة وغرابة، فهو قيام الدكتور الزعبي ومستشفى بعلبك الاهلي بعلاج طيار اسرائيلي كانت اسقطت طيارته في لبنان، فتخفّى بعد اصابته بلبس فوتيك ووصل للمستشفى لوجود كسور في فخده، يقول الزعبي ان هذا الجريح "بقي صامتا بالمستشفى ويرد بالايماءة فقط، واجريت له عملية لتثبيت الكسور، وعندما مر الدكتور زياد صباحا لتفقد مرضاه فوجيء بعدم وجود ذلك الجريح الصامت، الذي غادر المستشفى دون ان يعلم احد؟".

السر انكشف للزعبي وللمستشفى بعد يومين، عندما تحدث الاسرائيليون عن انقاذهم لطيار اسرائيلي تحطمت طيارته فوق لبنان وقفز اليها، ولم يذكروا تفاصيل عملية الانقاذ، لكن الجميع بمستشفى بعلبك عرف ان هذا الطيار هو ذاك الجريح الذي هرب من المستشفى ليلا بعد علاجه!