معاريف: أين تجد مصر نفسها في ظل التحديات والتغيرات الإقليمية المتسارعة؟
ميخائيل هراري
انهيار نظام الأسد استقبلته الساحة الإقليمية
والدولية بالإيجاب، رغم الخلفية الإسلامية الراديكالية لرجال النظام الجديد. مصر إحدى الدول
القليلة التي ترد بشكل متحفظ على التغيير. وزير الخارجية المصري لم يسارع لزيارة
دمشق، واكتفى بمكالمة هاتفية مع نظيره السوري الجديد، وحتى هذا بعد ثلاثة أسابيع
من انهيار نظام الأسد. ويتخذ الإعلام المصري خطاً منضبطاً وحذراً وأحياناً
معادياً، تجاه النظام الجديد.
بضعة عوامل أساسية تقبع في أساس حذر القاهرة
وتخوفها: أولاً، إن صعود جماعة إسلامية أصولية إلى الحكم، قاتلت في صفوف
"القاعدة”، لا تراها القاهرة أنباء طيبة. وتتخوف من إمكانية حقنة تشجيع لتيار
الإسلام السياسي في المنطقة بعامة وفي مصر بخاصة. فحركة الإخوان المسلمين متجذرة
في المجتمع المصري رغم قسوة يد السيسي تجاهها. المخاوف من عودة رياح الربيع العربي
التي رفعت التيار الإسلامي إلى الحكم تبدو مفهومة.
تركيا هي إحدى الرابحين الأساسيين من التغيير
الدراماتيكي في دمشق. فقد دعمت أنقرة أحمد الشرع ومنظمته في السنوات الأخيرة،
وتنتظر المردودات. همها الأساس هو الأقلية الكردية في سوريا، لكن قد ترغب في تعزيز
مكانتها كلاعب إقليمي نافذ أكثر في الدولة مع خروج إيران وروسيا. وهذه المسيرة
تصطدم بالمصالح المصرية. الحكم في أنقرة يعد من الإسلام السياسي، وحليفته قطر.
الهامش الذي نشأ في العقد الأخير وضع مصر في مركز الدبلوماسية الإقليمية، وقد
استفادت من مكتشفات الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط. ونية تركيا التوقيع على
اتفاق بحري مع سوريا قد يؤثر سلباً على مصر – (مثلما على إسرائيل أيضاً).
ساحة ليبيا تشكل مصلحة أمنية – اقتصادية أولى في
سموها بالنسبة لمصر. فليبيا منقسمة الآن بين حكمين، بشكل لا يسهم في استقرارها.
والتخوف المصري هو أن تستغل تركيا مكانتها الإقليمية الجديدة لتعزيز خطواتها في
ليبيا، إلى جانب تقارير عن نية روسية لنقل وجودها البحري في البحر المتوسط من
سوريا إلى ليبيا.
تشارك مصر بشكل نشط في مساعي الوساطة لوقف النار
في غزة، وتنظر إلى الاتفاق بالإيجاب. ومع ذلك، معقول ألا تكون متحمسة لمكانة
الدوحة المركزية في الموضوع، وقلقة من الآثار المتوقعة على مكانة حماس في القطاع.
لقد أدارت القاهرة في أشهر الحرب الطويلة سياسة كانت مريحة لإسرائيل، رغم النقد
الحاد الذي وجهته لإسرائيل في عدة مسائل. ينبغي الافتراض بأن الاعتراض الإسرائيلي
على إعطاء دور للسلطة الفلسطينية وإمكانية ترميم حماس لقوتها في القطاع، لا تخدم
المصلحة المصرية. وبعامة، آثار الحرب على علاقات الدولتين ليست واضحة بما يكفي.
بعامة، مكانة مصر الإقليمية ضعفت منذ الربيع
العربي، خصوصاً عقب الأزمة الاقتصادية في الدولة. انتقلت مراكز الاهتمام إلى
الخليج، والصفقة المحتملة الإسرائيلية – السعودية ستعطي هذا تعبيراً دراماتيكياً.
الضعف المصري، الداخلي والإقليمي، لا يخدم المصلحة الإسرائيلية. من المهم أن تفهم
إسرائيل التغييرات. السلام الإسرائيلي – المصري هو حجر زاوية لعموم التطورات
الإقليمية منذ التوقيع عليه، ومصر لا تزال الدولة العربية الأهم، رغم ضعفها الآن.
معاريف 30/1/2025