أحياناً .. يكون المدح .. كما القدح


عوض ضيف الله الملاحمة
من البديهي ان يسعى كل
رئيس دولة الى كسب تأييد شعبه . ومن الطبيعي ان يسعى الى ذلك . وان يهدف من كل
سياساته ونهجه في الحُكم الى الوصول لرضى شعبه .
لكن هذا السعي ، الذي
يحقق الرضى والشعبية ، بالتأكيد يكون مرفوضاً البتة من الحاكم ، اذا جاء على حساب
كرامة شعبه ، بإهانته ، وازدراءه ، والتقليل من هيبته ، والنيل من كرامته .
أنا واثق كل الثقة ،
ومتأكد تماماً ، أن ملك البلاد ساءه ما وصل الى مسامعه من كلمات بعض النواب . هكذا
أسلوب يسيء الى ملك البلاد ، ويحرجه ، ويجرحه بالتأكيد ، لأنه ينال من كرامة
شعبه ، الذي يوده ان يكون كريماً ، عزيزاً .
كيل المديح ، والتلفظ
بعبارات المدح ، وإنتقاء الكلمات بحصافة ، ورقي ، وتهذيب ، فنّ قائم بذاته . لأنه
اذا فشل من يكيل المديح في إيصال مدحه ، عندما يكون على حساب كرامة المحكوم ربما
يتحول الى قدح.
نهج ملك البلاد ،
وطريقة تفكيره ، وسمو ورفعة نسبه ، لا يقبل ان يكون مديحه على حساب كرامة وأصالة
وإهانة شعبه.
عندما أطلق الراحل
الحسين عليه رحمة الله مقولة : (( الإنسان أغلى ما نملك )) . هذا يعني سمو ورفعة
المواطن الأردني في عين مليكه . وهذا يترجم حرص الراحل الحسين على كرامة المواطن
الأردني . وهذا يعني ان اي ملك بدون شعبه لن يكون ملكاً . وهذا يعني ان الحسين
يعتبر كرامته وعزته من كرامة شعبه.
الهاشميون يتوارثون
الحفاظ على كرامة شعبهم الأردني الكريم العزيز النبيل . كيف لا وكافة العرب ينعتون
الشعب الأردني بشعب النشامى !؟ وهم فعلاً نشامى .
كرامة ملك البلاد لمن
يجهل ، هي مستمدة من كرامة شعبه . ملك البلاد لا يمكن ان يقبل ، او يرضى ان يُهان
اي أردني ، فكيف يرضى ان يُهان شعبه بأكمله !؟
حُبّ كل أردني لمليكه
لم يتأتَ من إجبار ، او إكراه ، او خوف . حب الأردني لمليكه حُب طواعية . حُب
الأردني لمليكه حُب كريم لكريم.
الهاشميون يأبون ان
يحبهم شعبهم حُب العبد لسيده . حُب الشعب الأردني لمليكهم حُب الحر للحر ، وحب
الكريم للكريم.
لم يسبق للهاشميين ان
أهانوا أردنياً . ولم يقبل الهاشميون أية إهانة ولو لفظية لأي أردني . العديد من
الشواهد والأحداث تؤكد ان ملك البلاد ينتصر لأي واحدٍ من شعبه اذا طاله ضيم او
إهانة.
عندما يتخذ الهاشميون
شعاراً بأن الإنسان أغلى ما نملك . هذا مباهاة ، وتباهٍ من الملك بشعبه .
الهاشميون يتباهون
بالأردنيين ، ويتفاخرون بهم . نُبل الهاشميين تصادف والتقى مع نبل الأردنيين فأنتج
حُباً طوعياً ، صادقاً ، كريماً.
المبالغة في إظهار
مشاعر المحبة مُسيء.
السطحية في التعبير عن
الحب ، تكشف المصلحة والتكسب من هكذا حُب . هناك حُب صادق مصدره ومنبعه القلب .
وهناك حُب زائف أدواته التزلف ، والنفاق وهو حُب آني ينتهي بإنقضاء المصلحة
. حُب المصلحة مكشوف لأن التكلف والزيف طابعه .
أدعو البعض ان لا
يُثقلوا كاهل ملك البلاد ويحرجوه بتزلفهم الزائف ، السطحي ، المكشوف ،
الممجوج ، الذي لا داعي له ، وملك البلاد — على فكره — لا يوده ، ولا ينتظره ، بل
يترفع عنه.
في أحد مؤتمرات
المغتربين في ثمانينات القرن الماضي . تم تكليفي من قبل المغتربين الأردنيين في
العالم ان أكتب وأُلقي كلمة المغتربين في أحد مؤتمرات المغتربين . وكتبت الكلمة
وتمت الموافقة عليها من لجان المغتربين في العديد من دول العالم . وكنت أُطالب
بالعدالة ، وحربية التعبير ، وحرية الرأي ، وحرية تشكيل الأحزاب وغيرها . وسلمتها
للسفير الأردني في ابوظبي السيد / زهير سكجها ، وهو من الذوات المحترمين .
وبعد اسبوعين اتصل بي السفير وطلب مني ان احضر الى السفارة للالتقاء به . وعند
وصولي اخبرني ان الجهات المختصة في الأردن لم توافق على كلمتي واعدت كلمة اخرى حتى
ألقيها . فرفضت لسببين : الأول : انني لا ألقي كلمة أعدها غيري ، والثاني : ان
الكلمة فارغة المحتوى الا من كيل المديح لملك البلاد . وتم تكليف غيري لإلقائها .
وعندما عُقد المؤتمر ، افتتحه سمو الأمير الحسن ، نيابة عن الملك حسين ، بسبب
زيارة مفاجئة لرئيس وزراء الهند / راجيف غاندي آنذاك . وفي الافتتاح أُلقيت كلمة
المغتربين الأردنيين في العالم . وجاء دور سمو الأمير الحسن ليلقي كلمته في افتتاح
المؤتمر . وكان محتوى كلمته فيه توبيخ مهذب للمغتربين حيث قال بما معناه : (( كنت
متشوقاً ان اسمع فكراً جديداً من مغتربينا الذين ساهموا ببناء اوطان ، الا انني مع
كل الأسف لم أسمع الا كلمات مديح ممجوج ، مللناه ، وكرهناه ممن هم حولنا )) .
فأخبره دولة الرجل المهذب / احمد اللوزي ، بقصة الكلمة ، وان الكلمة التي اعدها
المغتربين قد تم رفضها ، وطلب مني دولته الحضور للالتقاء بسمو الأمير ، حيث طلب
مني سموه نسخة عن الكلمة المرفوضة فقدمتها له ، وعندما اطلع على عناوين الكلمة قال
: هذا ما كنت أود سماعه انا وجلالة الملك الحسين ، وإبتسم إبتسامته الساخرة
الرافضة المعهودة وقال : حسبنا الله ونعم الوكيل . وشكرني وقال : (( بلانا وصل
لعندكم ))
.
أنا واثق ان ملك البلاد
قد شعر بالحرج ، لما يعتقدون انه تأييداً ومدحاً ، وانه شعر بان هكذا مدح هو اقرب
للقدح.
وإقتباساً مما
كتبه الإعلامي الألمعي المرحوم / خالد المحادين ، أقول : (( مشان الله يا عبدالله
آتِ لنا بقانون إنتخاب يكون نتاجه تَصَدُّر النخبة من الأردنيين )).