فليصمت القلم .. من شِدّة الألم


عوض ضيف الله الملاحمة
الكتابة وسيلة للتعبير
، والقلم أداة هذه الوسيلة . للخوض بما يدور ، والتحذير ، والتنبيه ، ووسيلة
للتغيير ، والتنبؤ بما سيؤول إليه المصير ، والمدى الذي ستذهب اليه الأمور .
وتغيير المصير هنا يكون إما بتغيير المُطالَب بتغييره ، او تغيير مصير من يطلب
التغيير نفسه ، سواء بلجمه ، او إخراسه ، او تهديده ، او يكون السجن هو المصير .
والعجيب هنا ان السجّان المطالب بمراقبة المسجون هو الذي يطالِب المسجون بتحسين
وضعه ، هو ومجتمعه المنكوب.
وعليه ، أستغرب غرابة
شديدة ، وأتساءل : لماذ لا يُخرِس قلمه المسجون حتى لا يُزج في غياهب السجون .
الإنخراس أحياناً يكون مُنجٍ للناس ، من الإنغماس ، في شأن عامٍ هو كشخص نصيبة منه
بسيط ، والأثر الكبير يكون عاماً ، طاماً ، شاملاً يطال كل الناس . ويتأثر به
الفقير ، الذي ليس له سند ولا نصير ، والذي أرقى وظائفه لا تتجاوز الغفير ، الذي
يكون مكتوباً على جبينه ان لا يبرح مرتبة الفقير .
وليترك كل من وصل مرحلة
ان يكون ( زير ) . زيراً ، او وزيراً ، او زير نساء ، او زيراً في التملق والرياء
، او زيراً في النهب والسلب وقلة الحياء . ان تكون زيراً ، افضل لك من ان تكون
فقيراً . ومن الغباء ان تبقى في خانة الفقراء ، وانت بإمكانك ان تكون جديراً بأن
تكون زيراً ، غنياً ، ثرياً ، وفيراً ، غزيراً ، بكل ما يمكن تملُّكِهِ ، بعيداً
ان املاك والدك ، ووالدتك ، والتكسب من المال العام سهل الوصول اليه ، وما اكثر من
يوصلونك اليه ، ولا تنتفع به وحدك ، بل منفعة جماعية شبه عامة ، من الساقطين ،
اللاقطين ، المتصيدين ، المتلذذين بالحرام البواح . ولا يهمهم ، كل من إشتكى ،
وصاح ، او بالسر أعلن وباح ، وانتشرت رائحته العفنة وفاح . بعيداً عن النصح
والارشاد ، والتفلسف بالحرام والحلال ، مادام كل الخير بين يديك طاح ، ولعاب النفس
عليه ساح . فاعتبره حلالاً مباح ، بدل ان يكون حراماً بواح . فلا فرق في الدنيا
بينهما ، المهم امتلاك المفتاح ، امتلاك الفلوس الذي يسهِّل الحصول على كل شيء ،
فغير الممكن يصبح ممكناً ، عندما تفتح الخزنة ، ويكون الذهب قد طاح ، ولاح ، ولمع
، ولك في كل شيء شفع ، ونفع ، وعنك البلاء الدنيوي دفع ، ومن شأنك الدنيوي قد رفع .
هذا هو النهج الجديد
الذي ربنا لم يشرعنه ، ولا سوّاه ، وكل انسان مستقيم عنه نهاه . ومن حُسن الخُلق
نبذه وأقصاه . لمن يود ان يكسب آخرته بدل دنياه . ويفوز بحسن الخاتمة ويفوز بما
وعده ربه وأعطاه . ليكون كريماً ، عفيفاً ، نزيهاً ، شريفاً ، وبالرضى ربه اقنعه
بما اعطاه.
ليتنا نفيء الى قانون
الكون العادل ، الصائب ، ونكتفي بما حلله رب العباد ، ونهج كل من اصطفاه ، من
الأنبياء والرسل ، وكل انسان بأحسن صورة خلقه وسواه .
غمّة ، او عتمة ، او
صدمة ، او لحظة عِفة طغت وغطت على قلبي قبل ناظريّ في لحظة قهرٍ على إنحدار متسارع
نحو هاوية أخلاقية ، وسلوكية ، وتعاملية حتى يصل العبد منتهاه .
ليتنا نكون أطهاراً ،
ليلاً ، ونهاراً ، في سرنا والعلن ، في الرخاء والمحن ، في العسر واليسر ، في
الظلمات والنور ، ونسعد بتغريد العصفور ، والشمس مبهجة وحولنا تدور ، ونكون أنقياء
من شهادة الزور ، وان لا نسكت على الخطأ صمت القبور . ونخرج من العيش في عصرنا الى
عصر الديناصور . ونكون الخاسرين في الآخرة ، ونبكي عندما تدور علينا الدائرة
، ونكتوي بنارها الخالدة.
الا يا ليتني كنت عصفورا
، لا علم لديّ كيف الدنيا تدور . وكل همّي إلتقاط حبة من بذور . وحتى لا
أُجبر على الصمت ، وانا ارى عدونا الجبان قد اصبح هو الجَسور . يستبيحنا تماماً ،
ويدعي انه هو المسكين المظلوم ، المغدور ، المقهور .
فليصمت القلم ، ولتكسر
الأقلام ، ولا أحد يلام ، نتيجة ظروف صعبة وسوء منتشر ومستدام .