تأييد الغرب .. وتَنَكُّر العرب


عوض ضيف الله الملاحمة
والله إنني لا أدري هل
انا فَرِحٌ ، أم حزين . هل انا فرِح بالمظاهرات والمسيرات والإحتجاجات التي تجتاح
شوارع معظم مدن الغرب ، تأييداً للقضية الفلسطينية ، وتعاطفاً مع الدم
الفلسطيني الذي يُهرق منذ عامين وبمعدل ( ١٠٠ ) شهيد يومياً ؟ أم هل انا فرِح
باعتراف حوالي ( ١٥١ ) دولة من دول العالم بالدولة الفلسطينية ؟ أم انا حزين على
الموقف العربي المتخاذل من القضية الفلسطينية عموماً ، وغزة خصوصاً ؟
فيما يتعلق بالمتظاهرين
في معظم مدن الغرب ، هم صادقون في مشاعرهم وعواطفهم ، وقد تحولوا من أعداء للقضية
الفلسطينية ، ومناصرين أشداء متعصبين للكيان ، الى مناصرين للحق الفلسطيني . تبين
انها شعوب صادقة ، جريئة ، تقف مع الحق والصدق اذا وصلها .
الحمد والشكر لوسائل
التواصل الاجتماعي لأنها هي السبب المباشر ، والحقيقي ، والوحيد لكشف
الغُمّة عن المجتمعات الغربية المتحضرة . لأن سيطرة ماكينة الإعلام الصهيونية على
كافة وسائل الإعلام في دول الغرب ، هو الذي ( حجب الحقيقة ) . حيث كانت كافة وسائل
الإعلام في الغرب هي أبواق دعائية للصهيونية . فكانت توجه شعوب الغرب بما يشحنها
ضد القضية الفلسطينية خصوصاً ، والعرب عموماً ، وتحقن الرؤوس وتوجهها لدعم الكيان
الصهيوني على إعتبار انه واحة ديمقراطية متحضرة في وسط غابة من الوحوش المتخلفين .
وما ان جاءت وسائل التواصل الإجتماعي حتى كُسِرت هذه القيود وهذه الحواجز ، وظهرت
حقيقة الكيان وإجرامه ، كما أظهرت ان هناك شعباً تم طرده من أرضه ، وتم إحلال
مهاجرين لَمَمّْ من كافة أقطار العالم واستوطنوا أرضاً ليست أرضهم . فجاءت هبة
شعوب الغرب لتُنصِف المظلوم الحقيقي وتعادي الظالم .
بلغ عدد الدول التي
اعترفت بدولة فلسطين كدولة ذات سيادة ( ١٥١ ) دولة ، من أصل ( ١٩٣ ) دولة عضو في
الأمم المتحدة ، اي بنسبة بلغت ( ٧٨٪ ) . ويعتبر هذا من حيث المبدأ إعترافاً
مُذهلاً ، ومتسارعاً بشكل لا يُصدق . لكن هذا لا يُذهِب الخشية من الغاية والنوايا
، خاصة عندما نعرف ان من ضمن تلك الدول بريطانيا وفرنسا . وان نتذكر ان بريطانيا
تحديداً هي التي زرعت هذا الكيان السرطاني في قلب الوطن العربي .
الإعتراف المتسارع
بفلسطين كدولة يشي بشكوك ، وهناك أموراً مُقلقة في هذا الإعلان ، منها : —
١ )) لم يتم تحديد الوطن او الأرض التي ستقام عليها
الدولة الفلسطينية ؟ ولأن بريطانيا من المعترفين والمتحمسين لذلك ، ولما خبرنا من
دهاء عند البريطانيين ، اعتقد انه لا يغيب عن بالهم ان يتم تحديد الجغرافيا التي
ستقام عليها الدولة الفلسطينية ؟ ربما يقصدون ان تقام على الأراضي الأردنية ؟ او
ربما في الصحراء الواقعة الممتدة بين الأردن والعراق وسوريا والسعودية ؟ او ربما
في سيناء بعد ان يتم تهجير أهل غزة اليها ، إذا نجحوا في ذلك ؟
او ربما تعلن دولة
فلسطينية الساعة ( ١١ ) ليلاً ، وبعد الساعة ( ١٢ ) منتصف الليل يعلن اتحادها
فيدرالياً او كونفدرالياً مع الأردن ، ( يعني الوطن البديل ) ، وهذا مقترح منذ
منتصف التسعينات . وإطلعت على تفاصيله من الصديق الفقيه الدستوري معالي المرحوم
الدكتور / محمد الحموري ، في زيارته الى ابوظبي بعد إستقالته من حكومة طاهر المصري
، ومعه معالي المرحوم / محمد فارس الطراونة ، ومعالي المرحوم / سليم الزعبي . وهذا
يتطابق مع خطة / سموتريش ، بأن ضم الضفة الغربية سيتم ضم أكبر مساحة من الأرض بأقل
عدد من العرب.
٢ )) التناغم الفرنسي البريطاني في هذا الأمر يذكرنا
بالتناغم الذي كان بينهما في بدايات القرن العشرين والذي أسفر عن نشوء الكيان
الصهيوني.
٣ )) ما يبعث على الخوف ان الكيان لم يعبأ ولم يرهب
هذه الهبة الداعمة للقضية الفلسطينية ، وهو الذي يرتعب من اي تغير إيجابي باتجاه
القضية الفلسطينية مهما صَغُر.
٤ )) أتخوف من ان سبب هذا الإندفاع والتسارع في تأييد
الإعتراف بدولة فلسطينية ان سببه إلتقاء الإرادة الجمعية العربية والأوروبية
لتنفيس ضغط الشارع بهكذا إعلان ( هُلامي ) ( إنشائي ) ( ناقص ) . والا لو كانت
النوايا سليمة لتمت إضافة جملة واحدة لتحديد جغرافية الدولة الفلسطينية التي يسعون
اليها ، مثلاً مثلما ورد في المبادرة العربية التي تبنتها السعودية بأن تقوم
الدولة الفلسطينية على ( على حدود عام ١٩٦٧ ) .
٥ )) ربما ان الغاية من إعلان الدولة الفلسطينية
وأيدته الدول العربية ، يقصد منه تفريغ الغضب بين الجماهير العربية ، وتفريغ الغضب
في شوراع اوروبا ، ليقنعوا المؤيدين للقضية الفلسطينية باننا نعمل ما بوسعنا ، و (
نجترح ) حلولاً.
ما يحدث في شوارع الغرب
مفاجيء ، ومذهل ، ويبعث على الفخر ، ويؤكد ان الغُمّة التي كان يكرسها الإعلام
الصهيوني او المتصهين قد إنجلت ، وان شعوب الغرب تناصر الحق دوماً . وهذا هو ديدن
الشعوب او الدهماء فانها دوماً مع الحق والصدق .
في الوقت الذي تناصر
شوارع الغرب القضية الفلسطينية وتدعمها ، وتتضامن معها وتؤيدها ، بل واصبحت تؤمن
بها . نجد ان النظام الرسمي العربي عمِل على محورين لضرب القضية في مقتل . فمن جهة
تخلت الأنظمة العربية عن عروبتها وقوميتها عامة حتى تتنكر للقضية برمتها . ومن جهة
ثانية إتبعت كافة سبل القهر لإسكات الشارع العربي بل وإخراسه . حتى صمتت شوارع
المدن العربية وماتت موتاً تدريجياً بطيئاً لدرجة اننا لم نعد نسمع ان فيها حياة
كما كانت.
المحرج ان التأييد
الغربي للقضية الفلسطينية وصل الى حدود يصعب تصديقها : ففي البرلمانات الغربية تمت
حوارات ومشاحنات كبيرة . كما وصل الأمر الى رفض طيارين أمريكان لقيادة طائرات تحمل
أسلحة وذخيرة للكيان . كما هدد عمال الموانئ البحرية الإيطالية باغلاق الموانئ
أمام السفن الإسرائيلية اذا منع الكيان قافلة كسر الحصار على غزة من الوصول الى
شواطئ غزة . اما إسبانيا فلا يمكن توصيف موقفها من العدو الذي أصبح عدائياً . كما
لا بد من الإشارة الى ان العلم الفلسطيني قد إنتشر بشكل مذهل في كافة أرجاء العالم
، لدرجة ان احدى البلديات الفرنسية رفعت علم فلسطين على مبناها . وها هو
العلم الفلسطيني يرفرف على السفارة الفلسطينية في لندن .
الغريب ان أصحاب القضية
وأهلها تخلو عنها ، ونفضوا اياديهم منها ، والغرب الذي زرع الكيان ودعمه وأمده بالهجرات
قبل المعدات يتبنى القضية . والله عجيب يا زمن .
القضية حيّة ، والكيان
الى زوال ، والخاسر هو المتخاذل ، والأيام دولٌ ، والتاريخ لا يرحم ، ووصمة العار
تكون أبدية ، وعلينا ان لا نخاف ، ولا نتشكك من تحقق نصرٍ كفله ربّ العباد جلّ في
عُلاه.
وأختم بأبيات للشاعر
العراقي العملاق / احمد مطر ، حيث يقول :—
وإذا تركت أخاك تأكله
الذئاب
فأعلم بأنك يا أخاه
ستستطاب
ويجيء دورك بعده في
لحظة
إن لم يجئك الذئب تنهشك
الكلاب .