إجراءات حكومية تقوّض المناطق الاقتصادية الحرة وتُضعف قوى الاستثمار
بقلم المهندس نبيل
إبراهيم حداد
مستشار الهندسة
والصناعة وإدارة المشاريع
أُصدر مقالاتي عادةً كل يوم خميس، لكني اضطررت هذه المرة إلى
مخالفة هذا التقليد، لأن بعض المواضيع ببساطة لا تملك رفاهية التأجيل. وما يجري
اليوم في المشهد الاقتصادي والاستثماري الأردني يستوجب النقاش الفوري والتحرك
العاجل.
أُنشئت المناطق الحرة في الأردن لتكون محركات للنمو وجذب
الاستثمار وتنشيط التجارة والصناعة، ولتقدّم بيئة مستقرة يمكن التنبؤ بها، قائمة
على الحوافز التي تجعل من الأردن وجهة مفضّلة للمستثمرين المحليين والإقليميين
والدوليين.
إلا أنّ الإجراءات الحكومية الأخيرة والتضارب في القرارات
بدأا يُقوّضان هذه الأسس، مما أدى إلى فقدان الثقة وتراجع النشاط الاستثماري
وانتقال بعض الاستثمارات إلى دول مجاورة أكثر وضوحاً واستقراراً في سياساتها.
تغيّر التعليمات المفاجئ وعدم استقرار السياسات
الاستقرار هو الركيزة الأساسية لأي بيئة استثمارية ناجحة.
فالمستثمرون يخططون سنوات مسبقاً بناءً على القوانين الواضحة والثابتة. ولكن حين
تُصدر الحكومة تعليمات جديدة بشكل مفاجئ — مثل قيود الاستيراد أو تعليمات السيارات
أو تغييرات الجمارك من دون فترة انتقالية أو تشاور مسبق، فإن الأسواق تُصاب
بالارتباك وتنخفض الثقة.
القرارات الأخيرة المتعلقة باستيراد السيارات وسياسات العمالة
في المناطق الحرة خلقت حالة من الغموض والقلق، وأثرت سلباً على سمعة الأردن كموقع
استثماري موثوق.
الإفراط في التنظيم والتعقيدات البيروقراطية
المناطق الحرة وُجدت لتبسيط الأعمال لا لتقييدها. لكن
المستثمرين اليوم يواجهون عقبات متزايدة، من كثرة المعاملات الورقية والتفتيشات
المتكررة وتعدد الجهات التي تطلب نفس المستندات، مما يزيد التكاليف التشغيلية
ويؤخر المشاريع.
ويُلاحظ أن بعض الجهات الحكومية تعمل بمعزل عن غيرها، مما
يؤدي إلى تكرار الإجراءات وتضارب التعليمات، وهو ما يتنافى مع مفهوم «المنطقة
الحرة».
ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية
من أكبر التحديات التي تواجه الاستثمار في الأردن هو ضعف
التنسيق بين الوزارات والمؤسسات الرسمية. فبينما تعمل وزارة الاستثمار ومؤسسة
المناطق الحرة على جذب المستثمرين، تصدر جهات أخرى قرارات تعيقهم.
هذا التضارب يُرسل رسائل متناقضة للمستثمرين يد تدعوهم، وأخرى
تمنعهم — في حين أن المطلوب هو رسالة وطنية موحدة تقول: «الأردن مفتوح وجاهز
للاستثمار».
التفكير المالي قصير الأمد على حساب النمو طويل الأمد
يبدو أن بعض القرارات تُتخذ بدوافع مالية آنية كرفع الرسوم أو
تقييد بعض الواردات — لسد فجوات في الموازنة، لكنها تُلحق ضرراً طويل الأمد
بالاقتصاد لأنها تضعف الثقة وتقلل النشاط التجاري.
الاقتصاد المستدام لا يُبنى بقرارات مؤقتة، بل برؤية طويلة
الأمد تُعزز الإنتاج والتصدير وتجذب رؤوس الأموال.
عدم إصدار أي أنظمة أو قوانين جديدة تُعيق الأعمال
يجب على الحكومة أن تتوقف فوراً عن إصدار أي تعليمات جديدة
تُعقّد بيئة العمل أو تُضعف الاستثمار، وأن تركز بدلاً من ذلك على تبسيط الإجراءات
وجعل الاستثمار أسهل وأكثر ربحية.
وقبل إصدار أي تشريع جديد، ينبغي طرح سؤال بسيط: هل
سيساعد هذا القرار المستثمرين والتجار على النجاح؟
إذا كانت الإجابة «لا»، فيجب إعادة النظر فيه. فالأردن بحاجة
إلى تحول في النهج من سياسة السيطرة والتقييد إلى سياسة التمكين والشراكة، ومن جمع
الإيرادات المؤقتة إلى بناء القيمة المستدامة.
استعادة الثقة والعلاقات مع المستثمرين
الثقة لا تُبنى بالشعارات، بل بالأفعال المتسقة والعادلة
والواضحة. فقد العديد من المستثمرين ثقتهم نتيجة لتغيّر القوانين وتأخر المعاملات
وغموض الإجراءات.
ولاستعادة الثقة، على الحكومة أن تحترم الاتفاقيات السابقة،
وتثبت القوانين الاستثمارية، وتضمن استمرارية الحوافز الممنوحة. فـالاستقرار
التشريعي هو الحافز الأقوى لأي مستثمر.
دور البرلمان
يقع على مجلس الأمة واجب وطني أساسي يتمثل في التحرك السريع
ضد أي اقتراح أو إجراء حكومي يعيق الاستثمار أو يحدّ من حرية الأعمال.
ومن الأمثلة على ذلك الأنظمة الجديدة الخاصة باستيراد
السيارات، وكذلك التعامل المبالغ فيه مع العمالة الوافدة، حيث يتم التلويح بعقوبات
السجن أو الترحيل عند مخالفة التعليمات.
إن الحل ليس في العقوبات القاسية، بل في نظام نقاط موجه نحو
أصحاب العمل يحمّلهم المسؤولية تدريجياً وينظم سوق العمل من خلال المتابعة لا التخويف.
وعلى البرلمان أن يتدخل بسرعة وحزم كلما صدر إجراء حكومي يهدد
سمعة الأردن الاستثمارية.
الطريق إلى الأمام
إذا أراد الأردن الحفاظ على مكانته كمركز إقليمي للاستثمار،
فعليه أن:
يضمن استقرار السياسات والتشريعات.
يُحسن التنسيق والشفافية بين الجهات الرسمية.
يجمّد أي قرارات جديدة تُقيد الأعمال أو تُضعف الاستثمار.
يتشاور مع القطاع الخاص قبل أي تغيير جوهري.
يحافظ على حقوق المستثمرين واستقرار الاتفاقيات.
الخلاصة
يمتلك الأردن المقومات التي تؤهله ليكون وجهة استثمارية رائدة
في المنطقة، لكنه بحاجة إلى ثبات في السياسات، ورقابة برلمانية فاعلة، وتنسيق
إداري منسجم.
فالمناطق الحرة ليست مجرد مناطق اقتصادية، بل هي رمز لانفتاح
الأردن وتنافسيته. والحفاظ عليها يعني الحفاظ على الثقة وفرص العمل ومستقبل
الاقتصاد الوطني.
وعندما تتحول سياسات الحكومة من التقييد إلى التمكين، يزدهر الوطن
بأكمله. والسبيل واضح: لا تشريعات جديدة تُعيق الاستثمار، بل قرارات تُسهّل
الأعمال وتزيد من ربحية الاستثمار في الأردن.

























