الاستثمارات القطرية بين مصر والأردن: فجوة الجاذبية وتحدي الإصلاح الاقتصادي
وائل منسي
في السنوات الأخيرة
برزت الاستثمارات القطرية في مصر كنموذج لنجاح التحالفات الاقتصادية العربية حين
تتوافر الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية الواضحة.
فقد تجاوزت قيمة
الالتزامات القطرية المعلنة في مصر حاجز 7.5 مليار دولار خلال عام 2025، إضافة إلى
مشروع ضخم لشركةQatari Diar بقيمة تقارب 30 مليار
دولار على الساحل المتوسطي، ما جعل قطر أحد أبرز الشركاء العرب في المشهد
الاقتصادي المصري.
في المقابل، لم تتجاوز الاستثمارات القطرية في
الأردن حدود 4.5 مليار دولار تراكمياً، رغم العلاقات السياسية المتينة بين البلدين
واستقرار الأردن النسبي في بيئة مضطربة.
هذا التفاوت الكبير يطرح تساؤلاً جوهرياً: ما
الذي يجعل مصر بيئة جاذبة لرأس المال القطري، بينما يظل الأردن خارج دائرة
الاستقطاب الكبرى؟
تتمتع مصر بعدة عناصر
جذب أساسية جعلتها مركزاً رئيسياً للاستثمارات الخليجية والعربية. فحجم السوق
المصري الهائل، الذي يتجاوز 105 ملايين نسمة، يمثل قوة استهلاكية ضخمة تجذب
الصناديق السيادية الباحثة عن أسواق ذات طلب مرتفع وعائد استثماري سريع. كما أن
الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر، المتحكم في قناة السويس والمطل على البحرين
المتوسط والأحمر، يمنحها ميزة نادرة في الوصول إلى الأسواق العالمية، ويعزز جاذبية
المناطق الاقتصادية الخاصة كممرات إنتاج وتصدير. وإلى جانب ذلك، أسهمت الإصلاحات
الاقتصادية الواسعة منذ عام 2016 – مثل تحرير سعر الصرف وتحسين مناخ الاستثمار
وتوسيع الشراكات مع صندوق النقد الدولي في خلق بيئة أكثر مرونة وشفافية أمام
المستثمرين الأجانب.
العامل السياسي بدوره
كان حاسماً؛ إذ شهدت العلاقات المصرية القطرية بعد مصالحة العلا عام 2021 تحولاً
جذرياً من التوتر إلى الشراكة، تكلل بتفاهمات اقتصادية على أعلى المستويات وبتوفير
ضمانات حكومية حقيقية للمستثمرين القطريين.
وقد ترافقت هذه الدينامية مع توسع هائل في مشاريع
البنية التحتية والعقار والسياحة، التي تعد من أكثر القطاعات جذباً لرأس المال
الخليجي نظرًا لضخامتها وسرعة دورانها.
في المقابل، يواجه
الأردن بيئة استثمارية أكثر تعقيداً ومحدودية.
فصِغَر حجم السوق المحلي وضعف القوة الشرائية
نسبياً يقللان من فرص النمو السريع للمشروعات الكبرى.
كما أن البيروقراطية الإدارية وتعدد المرجعيات
التنظيمية تفرض على المستثمر الأجنبي مساراً طويلاً من الإجراءات، وهو ما يحدّ من
الجاذبية مقارنة بالمرونة المصرية.
أضف إلى ذلك محدودية المناطق الاقتصادية الخاصة،
وارتفاع كلف الطاقة والنقل، وغياب مشاريع عملاقة توازي الفرص المتاحة في مصر، ما
يجعل الصناديق السيادية القطرية التي تبحث عن استثمارات بمليارات
الدولارات أقل إقبالاً على الأردن.
أما التشريعات
الاستثمارية الأردنية، فعلى الرغم من التطوير الذي شهدته خلال العقد الأخير، ما
زالت بحاجة إلى مزيد من التحفيز والتبسيط، خاصة فيما يتعلق بملكية الأجانب
والحوافز الضريبية طويلة الأمد.
كما أن ضعف التكامل
المؤسسي بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى ضياع كثير من فرص التعاون الإقليمي،
في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استثمارات استراتيجية تُحدث نقلة نوعية في قطاعات
النقل والطاقة والسياحة العلاجية والتكنولوجيا.
من هنا، فإن معالجة
فجوة الجاذبية الاستثمارية بين مصر والأردن تتطلب مقاربة إصلاحية شاملة تبدأ من
تطوير البنية التحتية المادية والرقمية على حد سواء، بما في ذلك شبكات النقل
والموانئ والطاقة المتجددة، وتوسيع المناطق الاقتصادية الخاصة ذات الامتيازات
التنافسية، وربطها بالأسواق الإقليمية الكبرى.
كما أن الاستثمار في رأس المال البشري يجب أن
يكون أولوية قصوى، من خلال برامج تدريب وتأهيل قادرة على إنتاج كوادر مؤهلة تواكب
متطلبات الاقتصاد الجديد وتمنح المستثمر ثقة في الكفاءة المحلية.
ولتعزيز الثقة بين
المستثمرين والبيئة الأردنية، ينبغي تفعيل شراكات مؤسسية مستدامة مع الصناديق
الخليجية، وإنشاء مجالس اقتصادية مشتركة تُعنى بتحديد الفرص الاستثمارية الكبرى،
وتقديم ضمانات قانونية وحوافز ضريبية واضحة.
فالأردن يمتلك مزايا لا
يُستهان بها، من الاستقرار السياسي والأمني إلى الموقع الجغرافي الرابط بين المشرق
والخليج إلا أن تحويل هذه المزايا إلى عناصر جذب فعلية يتطلب تحديثاً جذرياً
في السياسات الاقتصادية والحوكمة الإدارية.
إن التجربة المصرية في
جذب الاستثمارات القطرية تقدم درساً مهماً للأردن: لا يكفي الاستقرار السياسي
وحده، بل يجب أن يرافقه رؤية اقتصادية طموحة، وإصلاح إداري حقيقي، وشراكات ثقة
طويلة الأمد. فحين تتحول البيئة المحلية إلى منصة استثمارية قادرة على استيعاب
المشاريع الكبرى، وحين يُمنح المستثمر الأجنبي وضوحاً في القوانين وضماناً في
العائد، فإن رأس المال لا يتأخر عن المجيء لا من قطر فحسب، بل من العالم
بأسره.

























