سدّ النهضة .. والعملية العسكرية المنتظرة
عوض ضيف الله الملاحمة
سبق لي ان كتبت عن سدّ
النهضة قبل سنوات ، في أوج احتدام الخلاف ، وضرب اثيوبيا عرض الحائط لكافة
الوساطات ، والتسويات ، والحلول الوسطية التي كانت مطروحة . وكنت مقتنعاً وقتها
انه لا جدوى من الوساطات والحلول الوسطية لأسباب عديدة منها :—
١ )) ان الكيان الصهيوني هو الذي اقترح المشروع ،
وموّله ، وجهز كافة مخططات ومتطلبات إنشائه ، والدافع لذلك ليس الإعراب عن كرم
الكيان الى اثيوبيا ، مطلقاً ، بل هناك دافعاً وحيداً يتيماً ، يتمثل في إيذاء مصر
، وتعطيشها.
٢ )) انه تم إقناع أثيوبيا بفوائد السد العديدة التي
منها إنتاج السد لكميات مهولة من الطاقة الكهربائية ، إضافة الى توفير كميات كبيرة
من المياة ، حيث ان سعة السد التخزينية حسب المخططات تصل الى ( ٧٤ ) مليار متر
مكعب من المياة.
٣ )) تم تجهيل الجانب الاثيوبي عن الاضرار الكامنة
وراء بناء السد على اثيوبيا نفسها وعلى دول المصب ، وخاصة السودان ومصر ، حيث لو
إنهار السد لأغرق مُدناً بأكملها ، وهذا ما يسعى اليه العدو تعطيش السودان
ومصر ، وإغراقهما فيما لو إنهار السد.
تفيد المعلومات
المتوفرة بانه تم تخزين حوالي ( ٦٠ ) مليار متر مكعب من المياة في سد النهضة حتى
هذه الأيام.
وكان هناك آراء
هندسية أفاد بها بعض الخبراء ، بأن هناك نقاط ضعف ، وعيوب طبوغرافية في المنطقة
التي أُنشيء عليها السد.
كما يبدو ان هناك أخطاء
فنية كبيرة وخطيرة في عملية إنشاء السد ، منها ان إرتفاع السد ( ٦٤٠ ) متراً ،
وعند تعبئة ( ٦٠ ) مليار متر مكعب ، وصل السد الى طاقته التخزينية القصوى ، مع ان
طاقته التخزينية حسب المخططات يفترض ان تصل الى ( ٧٤ ) مليار متر مكعب .
من حق مصر الشقيقة
تحديداً ان تتخوف من إنشاء سد النهضة لأسباب اخرى خلاف خفض حصة مصر من المياة ،
والخوف من الكوارث المحتملة فيما لو انهار السد . لوجود مخاوف جدية إستناداً الى
تقارير من خبراء دوليين ومصريين وسودانيين تشير الى وجود عيوب إنشائية وطبوغرافية
محتملة في سد النهضة منها :— وجود شروخ في الخرسانة ، ومشاكل في الأساسات ،
وقياسات هبوط في الجوانب ، ومخاوف جيولوجية مرتبطة بالنشاط الزلزالي ، مما قد يهدد
إستقرار السد ، ويزيد من مخاطر الإنهيار ، او التسريب ، خاصة مع التسرع في البناء
وتغيير مجرى النهر.
كما ان هناك اضراراً
اخرى للسد تنعكس على مصر منها : إحتمال حدوث نقص في حصة مصر المائية ، وتأثير ذلك
على الزراعة وتوليد الكهرباء ، خاصة في سنوات الجفاف ، مما قد يؤدي الى زيادة
البطالة ، وتضرر الاقتصاد الوطني المصري ، واحتمال حدوث تغيير في النظام البيئي ،
يضاف لها وجود مخاوف من التأثيرات الثقافية والحضارية على نهر النيل .
يضاف الى ذلك الآثار
الجانبية السلبية على السودان منها : مخاطر الفيضانات المدمرة ، بسبب التغير
المفاجيء في تدفقات المياة ، وما ينتج عنها من تدمير للأراضي الزراعية ،
والممتلكات ، بالاضافة إلى تهديد الأمن المائي ، والغذائي ، بسبب عدم التنسيق ،
واحتمال حدوث نشاط زلزالي ، وتآكل الضفاف .
يعتبر سد النهضة من
اكبر السدود في العالم . ومن حيث توليد الطاقة الكهربائية يعتبر الاكبر في افريقيا
، حيث يُنتج ( ٥,١٥٠ ) ميغاواط مما يجعله اكبر محطة للطاقة الكهرومائية في افريقيا .
يحق لمصر الإصرار على
حصتها المائية من مياه نهر النيل والتي تقدر ب ( ٥٥,٥ ) مليار متر مكعب من المياة
سنوياً ، وكذلك السودان التي حصتها المائية تقدر ب ( ١٨,٥ ) مليار متر مكعب سنوياً
. وذلك وفق اتفاقية ١٩٥٩ التي تم توقيعها لتقاسم مياة النيل بعد بناء السد العالي .
ارى انه ليس امام
الشقيقة مصر الا القيام بعمل عسكري محدود وشديد التأثير على السد . صحيح ان لأي
عمل عسكري مخاطر وتداعيات كبيرة ، حيث يمكن ان تتطور العملية العسكرية المحدودة
الى حرب بين الدولتين ، والأخطر انها ربما تتحول الى حرب اقليمية او اوسع من ذلك ،
لإحتمال استغلال العدو الصهيوني الفرصة لمهاجمة مصر والإضرار بها .
ربما كان من الافضل الى
مصر ان نفذت عملاً عسكرياً محدوداً ، مبكراً ، وتحديداً أثناء الإنشاء قبل ملىء
السد ، تجنباً لمخاطر الإغراق المحتمل لمساحات كبيرة من الأراضي السودانية
والمصرية . لأن فشل المباحثات والوساطات لم تبقِ مساحة او أملاً للوصول الى نتيجة
او حل وسط قبل التشييد ، فلماذا ننتظر حتى تم ملء السد ؟
حذّرت مصر ، ولوحت بذلك
عندما صرح وشدّد وزير الموارد المائية والري السيد / هاني سويلم ، حيث قال :— ( ان
سد النهضة الاثيوبي يُعد غير قانوني من منظور مصر ، محذراً من المخاطر المترتبة
على إدارته الحالية . وقال : إن خطورة السد ما تزال قائمة نتيجة ما وصفه بالادارة
غير المنضبطة ، مشيراً الى ان القاهرة حذّرت مراراً من تداعيات سوء ادارة السد ،
خصوصاً في الجفاف والفيضانات . وأضاف : ان اي خلل جسيم قد يطرأ على سد النهضة من
شأنه ان يُخلِّف تبعات خطيرة على دول المصب ، وفي مقدمتها مصر والسودان ، لما لذلك
من تأثير مباشر على الأمن المائي والإستقرار . واوضح ان مصر تعمل على رفع كفاءة
ومرونة السد العالي ، بهدف الاستعداد لمواجهة اي تصرفات اثيوبية مفاجئة في ادارة
المياة ، بما يحمي المصالح المائية المصرية . وأكد ان بلاده لن تسمح بفرض امر واقع
فيما يتعلق بمياة نهر النيل ، مشدداً على ان مصر ترفض رفضاً قاطعاً اي انتقاص من
حصتها المائية التاريخية . كما وصف ملف أمان سد النهضة بأنه ( صندوق أسود ) في
اشارة الى غياب الشفافية حول اجراءات التشغيل والسلامة ، وما يرافق ذلك من مخاوف
فنية وبيئية.


















