شريط الأخبار
اتحاد العمال يطالب برفع الحد الادنى للاجور السلطات الامريكية تقمع بقوة احتجاجات الطلبة وفض اعتصام جامعة كولومبيا عالجوا انتهاكات حقوق العمال قبل أن تحتفلوا بعيدهم.! الملك يهنيء ابناء الوطن وبناته بعيد العمال نقيب المهندسين : الحاجة ملحة لمشروع نهضوي عربي ولي العهد يهنيء العمال بعيدهم الملك يؤكد ضرورة تطوير صادرات الفوسفات.. ويشيد بما حققته الشركة من نتائح الملك يستقبل بلينكن ويحذر من خطورة عملية عسكرية في رفح الحكومة ترفع اسعار البنزين بنوعيه والديزل المعايطة: الانتخابات ستجري بكل شفافية..وزيادة مراكز الاقتراع المختلطة الحكومة والأمانة تبشرانكم: قريبا جدا تشغيل كاميرات رصد مخالفات حزام الأمان والهاتف الاردن.. رواتب العاملين بالقطاع العام تتفوق على نظرائهم بـ"الخاص" هل استخدم الاحتلال الاسرائيلي قنابل تؤدي لتبخر جثامين الشهداء؟! 28.2 مليون دينار أرباح شركة مصفاة البترول الأردنية خلال الربع الأول 2024 طوفان الجامعات الامريكية يتصاعد دعما لغزة.. و70 جامعة تشتعل احتجاجا قيادي في حماس: إنتقال قادة حماس إلى الأردن لم يطرح نهائيا شخصيات نقابية تسنتكر احتجاز ميسرة ملص وتطالب بالإفراج الفوري عنه نتنياهو يفشل بالالتفاف على "حماس" وفتح خط تفاوض مع "الجهاد" البدء بصرف رديات الضريبة تحت 200 دينار الأردن تستفزه تصريحات ابو مرزوق ويرد: لا عودة لقادة حماس دون فك الارتباط

كونديرا.. ذلك الكائن الذي تحتمل خفته!

كونديرا.. ذلك الكائن الذي تحتمل خفته!

جلال أبو صالح

لا جدال على براعته، ويمكن اعتباره من أوائل الذين كتبوا عن الأجواء المأساوية بروح كوميدية في تحليله للفرد الذي يحيا في أنظمة استبدادية. فإلى حد ما، لعبت هذه الكوميديا السوداء دورها في جذب القراء لأعماله، منذ روايته الأولى "المزحة" التي صدرت عام 1967، وجرى حظرها في بلاده حتى سقوط النظام الشيوعي فيها.

ميلان كونديرا؛ الروائي التشيكي، غاب الثلاثاء الماضي، في مساء صيفي هادئ قبل أن يطفئ شمعة ميلاده الخامسة والتاسعين، محبذاً قضاء آخر أيام حياته في باريس التي عاش فيها ما يربو على خمسة عقود دون أن يعود إلى براغ، وينتعش بحرية "ربيعها" الذي خلد أحداثه في أجمل رواياته على الإطلاق "كائن لا تحتمل خفته".

في عام 1975 قرر كونديرا شد الرحال إلى فرنسا، بعد تعرضه للاضطهاد بسبب انتقاده للغزو السوفيتي لما كانت تعرف جمهورية تشيكوسلوفاكيا، التي ثارت فئات كبيرة من شعبها ضمن ما عرف بانتفاضة "ربيع براغ" في العام 1968، والتي نادت بإصلاحات ديمقراطية.

ينظر إلى كتابة كونديرا على أنها كتابة فلسفية وجريئة بالدرجة الأولى؛ فهي تناقش أفكاراً عن التحرر والأخلاق والخلود والجشع البشري، كما أنها تستحضر بوضوح بيئة تشيكوسلوفاكيا ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، والشيوعية، والحكم الشمولي.

وبالطبع لا يخلو الأمر من السبر العميق لمواضيع المنفى والاغتراب والجسد والجنس. وهو لم يكتف بهذه الموضوعات، بل تطرق لموضوعات سياسية مثل السلطة والحكم الشمولي، كما تناول، في العديد من كتبه، إشكاليات حول فن كتابة الرواية.

تجربة كونديرا الأدبية فريدةٌ من نوعها، لأسباب عديدة من بينها تنوع رواياته من حيث الشكل والطول والموضوعات. ويمكن أن نقسم نتاجه الأدبي إلى ثلاث فئات: ثلاثة كتب ألّفها في أوساط العمر: "كتاب الضحك والنسيان" (1978)، و"كائن لا تحتمل خفته" (1984)، و"الخلود" (1988)، وكتب ذات طابع هزلي: "المزحة" (1965)، و"الحياة في مكان آخر" (1969)، و"فالس الوداع" (1972)؛ وفيها استحضر تاريخ تشيكوسلوفاكيا وبيئتها الثقافية، وكتب أُخرى صغيرة ومقتضبة مثل: "البطء" (1995)، و"الهوية"، (1986)، و"الجهل" (2000)؛ وهي أعمال ذات طابع فلسفي.

ترجمت أعماله إلى حوالي أربعين لغة، ومنها العربية لكن هذه الترجمات أي العربية، تم تحقيقها عن لغات وسيطة منها الفرنسية والإنجليزية، لذلك فقدت نكهتها الساخرة عند القراء العرب لأن أعماله تخللتها اللهجة التشيكية الدارجة والتي لم يتمكن المترجمون من التقاطها للأسف الشديد لذلك فقدت سحرها تماماً.

لا يمكن إغفال الكتاب الأهم لميلان "تأملات في زمن الرواية" فهو أحد إنجازاته الأدبية التي طرحت مفهوماً فلسفياً وإنسانياً خاصاً للرواية بأشكالها المختلفة، بيد أن الأهم في تلك الدراسة التحليلية لفن كتابة الرواية ومضمونها هو كسر الحاجز الثقافي وتعميم الهموم المشتركة بين المجتمعات باعتبار أن الكتابة الروائية نمط تحكمه معطيات إنسانية، فهي ليست محدودة بأطر وحواجز إقليمية شأنها شأن كل الفنون تصلح لكل العوالم والبيئات والبشر.

وركز أيضاً على تغيير مفهوم الإقليمية في الإبداع وإعلاء القيمة الإنسانية لتسمو فوق كل القيم، فتلك هي وظيفة الثقافة والفن من وجهة نظره، حيث الارتقاء فوق كل التصنيفات السياسية والجغرافية والعرقية، إذ لا شيء عنده أسمى من مخاطبة الروح. فكل المشكلات قابلة للحل إلا الفساد الروحي لا تجدي معه أية معالجات، وهو المنطلق الرئيسي لديه وعقيدة الكتابة عنده بشكل عام.

ألم يقل ذات مرة "الشعوب بإمكانها أن تظل حية، وقائمة الذات في ظل تغيرات الأنظمة وتحولاتها، أما أن تفرغ أمة من ثقافتها، أي من ذاكرتها، ومن أصالتها، فإن هذا لا يعني شيئا آخر غير الحكم عليها بالإعدام".

هكذا إذن؛ جعل أعماله ترسخ ثقافة شعبه، فراهن على إبقاء ملامحهم حية في تطلعات شخصياته التي تراوحت بين النساء والرجال المثقفين والمبدعين والسياسيين والمسحوقين والمهاجرين واللامبالين وغيرهم من الأمثلة، التي لا تكون مباشرة في تعبيرها بقدر ما تعيد تمثيل التاريخ من زوايا منسية ومهمشة.

إلى اللقاء ميلان كونديرا. لقد خسرتك الساحة الأدبية، لكنك ستبقى في ذاكرة الرواية والقراء معاً.  

 * نقلا عن "هنا صوتك"