محددات الحرب وحدود الصراع !
الدكتور يعقوب ناصر الدين
من يوم إلى يوم تزداد محددات الحرب الإسرائيلية
وضوحا أمام جميع الأطراف ، وتزداد معها القناعة بأن ثمة حدودا لا يمكن تجاوزها في
نهاية المطاف ، لقد أصبحت الكلفة باهظة جدا ، وإن كانت فظيعة ومؤلمة بالنسبة للشعب
الفلسطيني بصفة عامة ، وأهل غزة بصفة خاصة ، ومهما حاول الجانب الإسرائيلي تصوير
قدراته التدميرية ، وحرب الإبادة التي يمارسها على أنها تعبيرعن قوته الفائقة ،
إلا أن عددا غير قليل من رموزه السياسية والعسكرية والأمنية باتوا يدركون حجم
الخسائر التي يتكبدها في ميادين القتال ، وعلى المستوى الداخلي بنيويا واجتماعيا
واقتصاديا ، فضلا عن الانقلاب الكبير في مواقف معظم دول وشعوب العالم تجاه إسرائيل
بعد أن تكشفت جرائم الحرب والفصل العنصري التي مورست دون أدنى اعتبار للمواثيق
والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان .
حاول رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وضع محددات أولية لحربه على غزة على شكل أهداف
تتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة ، واستعادة الأسرى ، وفرض واقع
جديد يجعلها تحت السيطرة الأمنية التامة ، لكنه لم يتمكن على مدى ستة أشهر من
تحديد موعد نهائي لتحقيق تلك الأهداف ، مع أنه قد وعد قادة الدول الحليفة له
ولمؤيديه بأن ينجز المهمة في عضون ثلاثة أشهر ، والآن يواجه معهم جميعا مسألة
تجاوز الحدود بالذهاب إلى رفح !
الإدارة
الأمريكية وهي تستعد للانتخابات المقبلة بدأت تدرك المحددات والحدود ، ومن خلال
التزامها الأكيد وغير القابل للنقاش لم يعد بإمكانها تجاهل ردود الأفعال العالمية
، بما فيها الرأي العام الأمريكي ، ولا بد أنها تشعر بالقلق بشأن حظوظ فوز الرئيس
بايدن الذي يتعرض لانتقاد المحتجين على سياسته إزاء مساندته لإسرائيل في حربها على
غزة خلال حملاته الانتخابية ، وليس أمامه الآن إلا أن يتحدث إلى الجانب الإسرائيلي
على أساس (مبدأ الحدود) التي يتوجب الوقوف عندها قبل أن تخرج التطورات عن السيطرة
، وتتسع دائرة الصراع لتصبح بلا حدود .
يحق لنا في الأردن
أن نرى الأمور من الزاوية التي أراد جلالة الملك عبدالله الثاني أن ينظر قادة
العالم من خلالها إلى أصل ومحددات هذا الصراع ، وهي محددات ستبدو واضحة جدا حين
يرد الاعتبار لقرارات الشرعية الدولية التي تقر بأن إسرائيل تحتل أراضي الغير (
الضفة والغربية وغزة ) منذ العام 1967 ، وأن جميع الإجراءات التي اتخذتها من ضم
وتهويد واستيطان ، واعتبار القدس عاصمة موحدة لها هي إجراءات باطلة بحكم القانون
الدولي ، وأن الحل يكمن بإنهاء ذلك الاحتلال بصورة تامة ، وبإقامة الدولة
الفلسطينية المستقلة على هذه الأراضي بعاصمتها القدس الشريف.
عملت إسرائيل كل
ما في وسعها لتجاوز تلك المحددات ، ولكن العالم اليوم أقرب من أي وقت مضى لفهم تلك
المعادلة ، ولا شك أن الأردن يواصل التركيز على هذه المسألة ، ويدفع في اتجاه
تشكيل موقف دولي يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وحتى في قضية المساعدات
الإنسانية التي اتسع نطاقها ، وربما تأخذ في جزء منها أبعادا سياسية بجهد أردني
فريد من نوعه ، فإنها تبدو غير معزولة عن الفكرة الأساسية القائمة على أن الصراع
القائم الان ليس منفصلا عن القضية المركزية ، وأن التفكير يجب أن ينصب على الحل
الأشمل والأوسع ، فغزة ليس بدايته ، ولن تكون بالطبع نهايته !