شريط الأخبار
في محاولة جديدة لكسر الحصار…انطلاق 10 قوارب من إيطاليا نحو غزة نيويورك تايمز تكشف: الوسيط "ويتكوف" والعلاقة المزدوجة مع قطر استقالات من اتحاد طلبة جامعة مؤتة احتجاجًا على رفع الرسوم بنسب فلكية تسريبات لتفاصيل حول خطة ترامب بشأن غزة.. فما هي؟ مقتل حلاق بصالون ضربا من "بلطجي" في الزرقاء حماس وافقت مبدئيًا على خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة واشنطن تلغي تأشيرة رئيس كولومبيا لدعوته تحرير فلسطين (فيديو) اصابة رجلي بحث جنائي أثناء القبض على مطلوبين مسلّحين جنوب العاصمة ترامب يفرض رسومًا جمركية صارمة على الدواء والاثاث والشاحنات الحملة الأردنية توزع الخبز على نازحين في خان يونس ترامب يؤكد مجددا: أعتقد أننا توصلنا لاتفاق بشأن غزة سيُنهي الحرب نتنياهو يعربد ويهدد بقاعة شبه فارغة بالامم المتحدة: هاجم المجتمع الدولي واصر على الابادة ورفض الدولة الفلسطينية الجغبير: نمو الصادرات الأردنية بنسبة 8.5% في السبعة أشهر الأولى من 2025 ارتفاع صادرات الاردن لسوريا بنسبة 400 بالمائة العام الحالي طواقم الميداني الأردني جنوب غزة تنقذ حياة طفل تعرض لإصابة خطيرة مقتل عشريني واصابة طفل بمشاجرة بجبل طارق عباس بكلمة عبر الفيديو: مستعدون للعمل مع ترامب لتنفيذ خطة السلام لحل الدولتين إعلام عبري: واشنطن تخطط ليكون توني بلير قائدا لإدارة مؤقتة بقطاع بعد الضربة اليمنية المزلزلة لايلات.. طيران العدو يقصف صنعاء ترامب: الولايات المتحدة باتت قريبة من التوصل لصفقة بشأن غزة

إسرائيل الكبرى: هيمنة بلا جيوش .. ووهم القوة المطلقة

إسرائيل الكبرى: هيمنة بلا جيوش .. ووهم القوة المطلقة


 

 د. صالح ارشيدات

منذ نشأة المشروع الصهيوني، ظلّت عبارة "إسرائيل الكبرى” تتردد في خطابات قادته، بين من يصوّرها كحلم توراتي يمتد من النيل إلى الفرات، ومن يروّجها كتصور سياسي واقتصادي لشرق أوسط جديد تتسيّد فيه إسرائيل. غير أن الواقع يكشف أن "إسرائيل الكبرى” لم تعد مشروع توسع جغرافيا بقدر ما غدت منظومة هيمنة ناعمة: تفوق عسكري، اختراق سياسي، وتغلغل اقتصادي، يُمكّنها من التحكم بالمنطقة بلا حاجة إلى جيوش مرابطة.

الاحتلال القديم كان يعني سيطرة الدبابات على المدن والأعلام المرفوعة فوق القلاع. أما الاحتلال الحديث، فيأتي بثلاثة أذرع رئيسية:
1.
الردع العسكري المطلق: ترسانة متفوقة تشمل السلاح الجوي والتقني والنووي، تجعل أي مواجهة عربية مكلفة قبل أن تبدأ.
2.
النفوذ السياسي: اختراق الصف العربي باتفاقات تطبيع فردية تتجاوز مبادئ "الأرض مقابل السلام”، مانحةً إسرائيل شرعية بلا مقابل للفلسطينيين.غطاء دبلوماسي اميركي وغربي في الامم المتحدة يعطيها الحصانة وعدم المساءلة.
3.
الاختراق الاقتصادي والتكنولوجي: شراكات استثمارية وأمنية تربط بعض الدول العربية بعجلة المصالح الإسرائيلية وتجعل الانفكاك عنها أكثر صعوبة.

بهذه الأدوات، تمارس إسرائيل سلطتها وكأنها "شرطي المنطقة”، تفرض شروطها من دون أن ترفع علماً على كل حدود.

هذه ليست المرة الأولى التي تُمارَس فيها الهيمنة عن بُعد. قبل أكثر من ألفي عام، حين احتلّ الرومان الشرق الأوسط، كانت عاصمتهم روما تبعد آلاف الأميال عن القدس. ومع ذلك، حكموا المنطقة عبر محطات مراسليهم العسكرية وزياراتهم الدورية، فارضين سيطرتهم بلا حاجة لجيوش دائمة التمركز.

لكن حين انطلقت ثورة اليهودي باركوخبا عام 132م، أرسل الإمبراطور هادريان جيشاً جراراً دمّر الحجر والشجر وقتل البشر. إنها نفس القصة تُعاد اليوم بمفهوم مختلف: إسرائيل تمارس هيمنة بلا جيوش مرابطة، لكنها لا تتردد في إنزال القوة المدمرة حين تشعر أن مشروعها مهدّد. وكما لم تدم روما إلى الأبد، فإن هيمنة إسرائيل أيضاً لن تدوم مهما بدت قوية.

لم تعد "الكِبَر والاكبر” تعني اتساع الرقعة الجغرافية، بل مدى القدرة على التحكم بالقرار العربي والإقليمي. فإسرائيل لا تحتاج لاحتلال مصر أو سورية أو لبنان كي تمارس نفوذها، يكفي أن تجعل قرارات هذه الدول محكومة بهواجس قوتها أو مرتبطة برضاها.

بهذا المعنى، "إسرائيل الكبرى” ليست خريطة على الورق، بل مشروع سياسي واقتصادي أوسع: احتلال بلا أعلام، وسيطرة بلا خنادق.

رغم قوتها، فإن هذا المشروع يحمل في طياته عناصر ضعفٍ حقيقية:
1.
غياب الشرعية الشعبية: الشارع العربي، حتى وإن قُمِع، لا يزال يرى فلسطين قضيته المركزية. كل مواجهة مع غزة أو الضفة تكشف الفجوة بين الأنظمة وشعوبها.
2.
التحدي الديموغرافي: اليوم يوجد نحو 7ملايين فلسطيني مقابل 7 ملايين يهودي تحت السيطرة الإسرائيلية. استمرار هذا التوازن يهدد هوية الدولة العبرية على المدى الطويل.
3.
المقاومة المستمرة: عجز إسرائيل عن تهجير الفلسطينيين أو حسم غزة عسكرياً دليل أن الهيمنة ليست مطلقة ولا مستقرة.

لا يمكن فهم مشروع "إسرائيل الكبرى” من دون النظر إلى الدعم الأمريكي غير المشروط. واشنطن لم تكتفِ بتزويد إسرائيل بالسلاح، بل تبنّت رؤيتها السياسية وسرديتها الدينية، كما ظهر في "صفقة القرن” التي شرعنت ضمّ القدس والأغوار والمستوطنات. لكن هذا الدعم مكلف، فهو يقوّض صورة أمريكا عالمياً كقوة مدافعة عن القانون الدولي، ويجعلها شريكاً في سياسات الفصل العنصري.

العجز الأكبر ليس في قوة إسرائيل، بل في ضعف العرب وتفكك مواقفهم. السعودية تشترط قيام دولة فلسطينية للتطبيع، بينما تذهب الإمارات نحو التعاون الاقتصادي والأمني المباشر مع تل أبيب. هذا التباين يمنح إسرائيل مرونة أكبر، ويجعلها اللاعب الأكثر حرية في تحديد شكل المنطقة. ومع ذلك، يثبت التاريخ أن أي تحرك عربي منسق –ولو محدود– قادر على قلب الموازين، لأن إسرائيل تفتقر إلى العمق الاستراتيجي لمواجهة جبهة عربية موحدة.

معركة الرواية والشرعية

جزء أساسي من "إسرائيل الكبرى” يقوم على تسويق سردية أنها قوة طبيعية في المنطقة. لكن في المقابل، يترسخ وعي شعبي عربي ودولي يرى فيها دولة فصل عنصري تمارس القمع والتهجير. التحولات في الرأي العام الغربي –خصوصاً بين الشباب والأوساط الديمقراطية في أمريكا– تشير إلى أن معركة الشرعية لم تُحسم لإسرائيل، بل تميل تدريجياً ضدها.

"
إسرائيل الكبرى” اليوم ليست دولة تمتد من النيل إلى الفرات، بل مشروع هيمنة يعتمد على الردع العسكري والنفوذ السياسي والتغلغل الاقتصادي. لكنها، مثل روما قبل ألفي عام، تعتمد على القوة الغاشمة كلما اهتزت سيطرتها. ومثلما انتهى الاحتلال الروماني رغم جبروته، فإن هيمنة إسرائيل أيضاً لن تستمر، لأنها تفتقر إلى الشرعية الشعبية وتتناقض مع الحقائق الديموغرافية.

التاريخ يُعلّمنا أن القوة الغاشمة قد تفرض نفسها مؤقتاً، لكنها لا تبني سلاماً ولا تصمد أمام وعي الشعوب. العرب مدعوون اليوم لفهم "إسرائيل الكبرى” لا كخطر جغرافي فحسب، بل كمنظومة هيمنة ناعمة. ومواجهتها تبدأ من الداخل: حوكمة رشيدة، اقتصاد منتج، وموقف موحّد يعيد الاعتبار لفلسطين كقضية جامعة.

فكما لم ينجُ الرومان من لعنة الاستبداد والاحتلال، لن تنجو إسرائيل من تناقض مشروعها مع منطق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا.